شفافية المنافسة .. هيئة السياحة نموذجاً
فاجأني إعلان بحجم ربع صفحة في جريدة يومية، كانت المفاجأة سارة، فقد اشتمل هذا الإعلان على قائمة بالمنافسات العامة والمشتريات الخاصة التي اعتمدتها الهيئة العامة للسياحة والآثار خلال الأشهر الستة الماضية، صيغة الإعلان تُبين:
- اسم العقد (المشروع).
- اسم المنشأة المتعاقد معها.
- هواتف المنشأة المتعاقد معها.
- قيمة العقد.
- بداية العقد.
وهي مبادرة إيجابية من الهيئة تعرض فيها مشاريعها على الملأ بكل وضوح، وبالتفاصيل التي تتحدث عن نفسها، هذه التفاصيل التي لم نعتد عليها، بل وقد لا تتاح لك حتى لو طلبتها، وطالما بقيت سراً من أسرار المؤسسات الحكومية، وفي كثير من الأحيان طلاسم يصعب تفكيك شفرتها، تعرض اليوم على صفحات الجرائد بدون سابق إنذار.
لماذا نهتم بمثل هذه المبادرة من هيئة حكومية؟ من حيث الرقابة المالية والإدارية والتجاوزات على مستوى الدول فإن العقود الحكومية تعتبر من المراتع الأكثر خصوبة للفساد لا ينافسها في ذلك سوى المساعدات الدولية والمنح (الهبات) من الموارد الطبيعية بما فيها الأراضي.
في المشاريع الحكومية تزيد احتمالية حدوث السرقة عندما يجتمع الثالوث المكون للفساد والذي يشمل:
1 - الترسية المباشرة.
2 - التعتيم.
3 - المصالح.
وفي بعض الأحيان يكفي واحد منها لتشكيل حالة فساد منفردة بالمليارات.
بالتأكيد لا يمكن التصور بأن الإعلان عن المنافسات داخل المؤسسة الحكومية سيمنع الفساد، ولكن غالباً عندما تزدهر ثقافة الشفافية ينكمش الفساد، فهما في الغالب ضدان لا يجتمعان، ليس بسبب الشفافية فقط ولكن لأن الشفافية عادة ما تكون جزءا من منظومة ثقافية ورقابية متكاملة.
في المقابل هناك الكثير من المكونات الإضافية التي تشكل بيئة رقابية فعالة لأي مؤسسة حكومية، لا أقول إنها تمنع الفساد ولكنها تقلل منه كثيراً، وغالباً تكتشفه إذا حدث، من أهمها:
- نزاهة وكفاءة رئيس المؤسسة ومجلس إدارتها.
- تطبيق نظام فعّال للمشتريات.
- تعيين لجنة للمناقصات.
- كفاءة الإدارة المالية.
- تعيين مراجع خارجي مستقل.
- استحداث لجنة للمراجعة منبثقة من مجلس الإدارة.
- وجود إدارة للمراجعة الداخلية مستقلة وفعالة.
من أكثر عوامل الرقابة الفعالة في المؤسسة النزاهة الموضوعية والشكلية للإدارة العليا، مثل الوزير والوكلاء في المؤسسات الحكومية، فمثل هذه المنظومة النزيهة يصعب اختراقها إذا ما تزامنت مع النقاط السابقة التي ذكرناها، أما إذا كان الرأس فاسداً فلن يصلح الجسد، وسينطبق عليه المثل العربي "إذا كان رب البيت للدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص".
وحيث إن النزاهة الموضوعية تبقى بين المسؤول وربه، إلا أن التصرفات الشكلية للمسؤول غالباً ما تفضحه إذا لم يكن نزيهاً، ومن أبرز الأمثلة التي تؤكد النزاهة الشكلية ما يلي:
- الاهتمام بتجويد نظم الرقابة داخل المؤسسة، وجعلها من أولويات العمل.
- تعيين الموظفين الأكفاء، والابتعاد عن تفضيل أفراد الأسرة والقبيلة خاصة إذا كانوا قليلي الكفاءة.
- يعتمد أنظمة شفافة وعادلة في التقييم والترقيات للموظفين.
- الاهتمام بالجودة في العمل والتأكيد عليها.
- الشفافية في التعامل مع المعلومات والأحداث داخل المؤسسة.
- عدم قبول الهدايا والهبات، وإذا تم ذلك يتم تسليمها للوزارة.
- أن يكون قدوة لغيره من الموظفين في المؤسسة.
وليكون عمل هيئة السياحة أكثر تكاملاً وتميزاً وشفافية ونزاهة أقترح أن يشمل ما يؤكد أن هذه المناقصات هي كل ما تم خلال الفترة، إضافة إلى نشر تقرير مراقب الحسابات الخارجي للهيئة وتقريرها السنوي للعموم.
ما قامت به الهيئة في نموذجنا الذي نحن بصدده عمل متميز، يذكر فيشكر، ولعله يكون مثالاً للمؤسسات الحكومية الأخرى لتحتذي حذوها، بل لعله يكون أحد متطلبات وزارة المالية لاعتماد الموازنة، بشرط أن تبدأ وزارة المالية بنفسها لتكون هي القدوة للآخرين.