طبيب.. بلا قلب
على عتبات السلم المؤدي لبوابة الخروج من مبنى العيادات الخارجية لمستشفىً عام، تباطأت خطواتي فجأة عندما رأيت أسرة صغيرة لأب وأم وطفلة، في السادسة تقريبا، ينزلون على مهل يزيد من وتيرة ثقله الحذر!
أيادٍ متشابكة.. ومركز البصر فيها: طفلة!
لاحظت أن هناك تحديا من نوع ما، تترجمه خطوات الطفلة، وتنقلها المختلف، جمالاً، من الأعلى للأسفل. وبدأت أستوعب أن حركة السير على السلم بدأت في التباطؤ أكثر وأكثر.. ليظهر إلى جانبي فجأة، طبيب ثلاثيني ممسك بكوب قهوة في اليد اليمنى.. وهاتفا نقالا في اليسرى.
بدا على الطبيب الاستعجال لسبب أو لآخر! فبدأ بالتأفف..
استشعرت عندها أنه قد يقدم على أمر يخجل قلب الصغيرة! فهمست له قائلاً: ''الظاهر فيه صعوبات حركية.. طول بالك يا دكتور''!
رد الطبيب بصوت مسموع: ''حركية! وش حركية!! حركية في البيت مو هنا!... قال حركية!''
آثرت الاحتواء، فهمست مرة أخرى: ''طفلة يابن الحلال.. السالفة بسيطة يا دكتور!''
رد قائلاً: ''حركية وبسيطة.. أنا أوريك الآن! وين المشرف هنا؟ مشرف هالـ ''فلور'' وين؟ الدرج واقف.. والناس متعطلة!'' قالها في مستراح السلم، حال وصولنا للدور الأول، ولم يفصلنا عن الدور الأرضي حينها سوى دقيقة أو أقل! قررت أن أتجاهله، واستمررت في السير خلف العائلة الصغيرة، حتى شعر الأب بالتعطيل الجاري، فترك مساحة للمستعجل منا! وما إن رآها الطبيب، حتى عاود النزول على السلم، ونفذ من بيننا مسرعاً ومكرراً على مسمعي، وربما غيري: ''حركية!''!
إلى هنا انتهت الحكاية، وذهب الطبيب إلى ما أعجله على الطفلة، وعلينا وعلى الجميع. ولم يبق لي سوى التساؤل من جديد! متى تتم توعية الطبيب بمهمته الإنسانية وواجبه الآدمي قبل أي شيء؟ أصدقكم القول هنا: نكتب عشرات المقالات، ونرسم مئات الكاريكاتيرات المطالبة بتوعية رجال المرور، الشرطة، الدفاع المدني، وحتى الهيئة.. لكننا قلما ننشر ما يطالب بتوعية الطبيب!
لم يدرك هذا الشخص (الطبيب) حجم شجاعة الطفلة وذويها، حين قرروا مواجهة العشرات من الصاعدين والهابطين على سلم مستشفى عام بتمكين ابنتهم من السير على قدميها، ولم يلجم طيشه بأن يتذكر ولو للحظة أن الطب في جوهره.. أنسنة! وما الطبيب لولا المريض في المقام الأول؟
إعلامياً، أود التذكير فقط بما يعانيه ذوو الاحتياجات الخاصة وأهلهم من صنوف الإقصاء والإساءة من عدد لا يستهان به من ممتهني الوظائف الصحية، وعلى رأسهم الأطباء. حتى أن الأهالي الذين يجدون حسن التعامل من صفوة القلّة منهم، لا يمكلون إلا أن يظلوا لهم من المدينين والشاكرين!