الواسطة «شر لا بد منه»
من المعروف أن الواسطة لدينا منتشرة بشكل واسع، فإذا أردت أن تدخل ابنك إلى الجامعة فأنت بالتأكيد ستحتاج إلى معارف يساعدونك على ذلك، وعندما يتخرج من الجامعة ستحتاج إلى واسطة أخرى لكي يتعين في وظيفة مرموقة، وحين يكون هناك منصب شاغر سيتسابق عليه ابنك مع مجموعة من المرشحين فسوف يطلب منك البحث في دفتر تليفوناتك لاختيار الشخص المناسب ليقوم بدور الواسطة أو فيتامين واو كما يطلق عليها العامة.
الواقع إن لذلك نتائج وخيمة، وعواقب قد تصل في بعض الأحيان إلى مستوى تستحق معه لقب كارثية، نعم كارثية، مثل أن تكون كارثة سيول جدة نتجت بسبب موظفين غير أكفاء تم تعيينهم بالواسطة، أنا أفضل إذا كانت الواسطة أمرا لا يمكن القضاء عليه أن يتم منح هؤلاء الموظفين رواتب دون أن يقوموا بعمل قد يسبب خسائر أكثر بكثير من رواتبهم، وإن كانت كارثة سيول جدة أمرا لم يستطع أحد أن يخفيه فقد تكون هناك كوارث حدثت في أماكن أخرى وكان من الممكن إخفاؤها وكانت بسبب موظفين الواسطة، المشكلة أنك لو لم تسير في هذا الاتجاه ستواجه نقدا حادا ممن حولك، لأنك تخالف قاعدة الأقربون أولى بالمعروف وما تناسوه هو أن هذا الكلام صحيح إذا كان من مالك أما من مال الدولة فهو اغتصاب لحقوق الآخرين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بل وقد يسبب الخسائر الكارثية كما ذكرنا من قبل، ولا أنكر أن هناك تحسنا كبيرا قد حدث في عديد من الدوائر الحكومية بحيث إنك أصبحت لا تحتاج إلى معرفة أحدهم لإنهاء معاملتك بسهولة مثل الجوازات والحقوق المدنية وتجديد رخص القيادة، وقد تكون هناك جهات أخرى تحسن أداءها ولكني هنا ذكرت الجهات التي تعاملت معها شخصيا وبشكل مباشر، ولكن من زاوية أخرى وبعيدا عن الحديث الإعلامي الرصين هل فعلا نحن لا نريد الواسطة؟ لو كان عندك ابن ومعدله لا يسمح له بدخول الجامعة هل ستتركه وتقول عليك أن تبحث عن مجال آخر؟ لا شك أنك ستبحث له عن واسطة بعيدا عن أعين الإعلام وهذا أمر واقع للأسف بسبب قلة كفاءاتنا بالتدريب والتأهيل ولكي أكون محقا وبالتعليم أيضا، إذاً لست وحدك المسؤول عن ذلك.
ولكي نعالج المشكلة يجب علينا أن نوجد حلولا عملية، وأن نضيء شمعة بدلا من أن نلعن الظلام، وذلك عن طريق إيجاد كفاءات حتى لو كانت أجنبية بحقل الموارد البشرية لكي تستطيع أن تشخص مشاكل العاطلين عن العمل وتحدد احتياجاته التدريبية ومن ثم تحدد الوظيفة المناسبة له والمتماشية مع قدراته، ومثل هؤلاء يجب توفيرهم في مكاتب التوظيف التي يقتصر عملها حاليا على إيجاد وظيفة للمتقدم إليها، ولا تحاول أن تدرس احتياجاته التدريبية وتقوم بتأهيله لكي يشغر وظيفة تناسب مؤهلاته وشخصيته، فهناك من لا يستطيع أن يتعامل مع الجمهور فطبيعة شخصيته لا تؤهله لذلك، وهناك من يحب الروتين والعمل المتكرر والذي لا يحتاج إلى ابتكار أو إبداع، وهناك من يحب العمل الميداني وآخرون يحبون العمل المكتبي، ويمكن لصندوق الموارد البشرية في وزارة العمل أن يتبنى تدريب وتأهيل الشباب بما يناسب احتياجاتهم ويكون لديه خبراء بالموارد البشرية يستطيعون أن يحددوا الوظيفة التي تناسب كل شخص على حدة واحتياجاته التدريبية لكي يكتمل تأهيله لشغرها، صحيح أن الأمر متعب ولكنه مفيد جدا ويستحق لأنهم سيجعلون كل شخص ممن تقدم إليهم سعيدا في عمله إلى أن يتقاعد، وبذلك نعالج مشكلة عاطل إلى الأبد ففي الغالب لن يواجه مشاكل في علمه بالمستقبل.
أما إذا أراد أحدهم أن يتوسط لشخص ما بتعيينه في وظيفة شاغرة، فأطلب منه أن يرسله أولا للجنة الموارد البشرية المقترح إنشاؤها وهم يحددون الوظيفة المناسبة له واحتياجاته التدريبية فإذا كان مناسبا للوظيفة فتركة يتسابق مع الآخرين.
ويمكن لصندوق الموارد البشرية أن يقوم بتحديد الوظيفة المناسبة للعاطلين عن العمل واحتياجاتهم التدريبية بمقابل مادي عبارة عن راتب شهر تدفعه الشركة التي سيتعين فيها وتخصمها منه على دفعات حتى يكون الأمر جديا وذا بعد ربحي، وبذلك نجنب البلاد والعباد كوارث ممكن أن يرتكبها موظفو الواسطة دون أدنى مسؤولية منهم.