تجارنا .. أنتم أولى منهم !!
في بداية القرن الماضي وبالتحديد في عام 1911 قُسمت شركته إلى أكثر من 34 شركة لأنه كان يملك ويحتكر أكثر من تسعين في المائة من شركات النفط في أمريكا بالإضافة إلى تجارة الحديد الصلب. وكان يعتبر الملياردير الأول في العالم بلا منازع , ولكنه كان شديد الحرص على أمواله وشحيحا ! . وعندما بلغ الخمسين من عمره أخبره الأطباء بأنه مصاب بقرحه شديدة في المعدة , وذلك الخبر الطبي كان شرا له في الظاهر ولكنه كان خيرا للآخرين , لأنه كان سببا في تغير مجرى حياته , فأنشأ بعدها مؤسسة روكفلر, والتي قامت بدعم المشاريع الطبية والبحثية , و كانت لها جهود واضحة في صد أمراض مستشرية حول العالم مثل الملاريا والسل والأنفلونزا و غيرها , وكذلك أنفقت المؤسسة ملايين الدولارات لاستكشاف العشرات من الأدوية الجديدة.
وفي عصرنا الحالي أنشئت مؤسسة بيل وميليندا غيتس للأعمال الخيرية في عام 2000 و برأس مال يقدر 126 مليون دولار أمريكي . والأهداف الرئيسية المعلنة للمؤسسة على الصعيد العالمي هي تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر المدقع. وأما هدفها في الولايات المتحدة فهو توسيع فرص التعليم , والوصول إلى أحدث تكنولوجيا المعلومات.
وفي عام 2006 انضم إليها وارن بافيت ( والذي يحتل المرتبة الثالثة بين أغنياء العالم) وقد تبرع 1.5 مليار دولار ! لمؤسسة بيل وميليندا غيتس . وقد تعهد وارن بالتبرع 99 % من رأسماله إلى مشاريع خيرية وهو على قيد الحياة أو بعد وفاته. ووصول مبلغ الهبات التي حصلت عليها مؤسسة بيل وميليندا ما يقارب من 36 مليار دولار أمريكي !!!.
ولقد صرح كل من بيل غيتس و وارن بافيت على أنهما يعملان جاهدين من أجل إقناع نظرائهما من أصحاب المليارات والملايين بالتبرع بنصف ثروتهم للأعمال الخيرية. وقد طالعتنا الأخبار مؤخرا أن 11 مليارديرا انضموا إليها حديثا , و بات عدد المنتسبين إلى قائمة الأغنياء المتبرعين والذين وهبوا أموالهم للأعمال الخيرية 92 ثريا.
إن السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو: ألسنا أولى منهم بذلك كله ؟!, بلى . ومن الأمور المهمة في هذا المجال أن لا يتحرّج التجار والأثرياء في بلدنا الغالي عن إعلان تبرعاتهم السنوية للجمعيات والهيئات الغير الربحية لأن ذلك من باب التنافس وتشجيع الآخرين على الخير, ولهم في عثمان بن عفان رضي الله عنه خير قدوة فقد أعلنها صريحة حين دعت الظروف والحاجة ليسمع العالم كله صداها فقال : أنشدكم بالله والإسلام، هل تعملون أني جهَّزتُ جيش العسرة من مالي؟.
ومن المهم أيضا أن لا تقتصر التبرعات على مجال واحد ! , بل لابد من التنويع والتنسيق , ليشمل قطاع الصحة والتعليم ومجال البحوث والدراسات العلمية , وليشمل أيضا محاربة الفقر والبطالة وهذا الملف بالذات ضروري للغاية لمجتمعنا.
ثانيا , لماذا لا يتبنى بعض أثرياؤنا وتجارنا (وهم ولله الحمد كُثر حسب إحصائيات مجلة فوربس) مشروعا أو مؤسسة شبية لمؤسسة بيل وميليندا غيتس, وعلى أن تكون مؤسسة خيرية غير ربحية لدعم المشاريع التنموية بمختلف مجالاتها, و مبنية على الشفافية والوضوح !!. أضف إلى ذلك أن تكون أرصدتها معروفة ومكشوفة في وسائل الإعلام, وأن يقام حفل سنوي لجمع التبرعات والتنافس في دفع عجلة البلاد الاجتماعية والصحية والتعليمية والاقتصادية ... الخ .
نعم نحن أحق منهم بذلك, بل إننا أفضل منهم فنحن نربح مرتين أما الأولى فهي السمعة الحسنة في الدنيا والذكر الطيب, وأما الثانية فيها أجمل وأحلى وألذ ألا وهو الأجر في الآخرة.
وكم أتمنى أن تلامس هذه الفكرة نفسا توّاقة من رجالات هذا الوطن المعطى فترى النور قريبا.