أكسجين الحرية !

من أين يأتي الإبداع ؟ هل هو يولد مع الإنسان أم يصنع ؟ وهل البيئة والأسرة هي التي تصنعه أم هي فقط تسقي تلك البذرة ؟. أسئلة كثيرة تدور حول هذا الموضوع المهم، ولكن الذي نحتاج أن نفهمه أننا جمعيا خلقنا وبذرة الإبداع في داخلنا، وهي تنتظر المطر لتخرج لنا ثمرات واختراعات مختلف ألوانها تسر الناظرين. الإبداع موجود في كل شيء من حولنا، ابتداء من عظمة تلك النجوم في السماوات، وتنوع المخلوقات على الأرض، وانتهاء بما يصنعه الإنسان من أدوات وأجهزة سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ولعلنا نراه في كل يوم ولكن لا نعيرها اهتماما كثيرا.

تعريفات الإبداع كثيرة ومتعددة ولكن نستطيع أن نبسطها فنقول أن الإبداع هو أن تأتي بشيء جديد أو تطور شيء موجود. يقول الدكتور طارق السويدان "وضع المختصون نسبة للتفريق بين الإبداع والتقليد، واعتمدوها لمنح براءات الاختراع العالمية فقالوا : إذا كانت نسبة الفرق (15%) فأكثر بين الشيء الجديد وبين الموجود في الواقع أطلق وصف الإبداع على العمل الجديد، ويمكن تسجيله كبراءة اختراع جديدة".

وهناك الشروط وضعت لبراءة الاختراع واعتقد أنها صالحة لقياس الإبداع بمختلف أشكاله إلا وهي أن تكون فكرة جديدة وغير بديهية، وتطبيقية عملية و نافعة، ويضاف إلى تلك الشروط أن تكون غير منافية لتعاليم الإسلام (خاص بالدول العربية).

وأما الأمر الأهم من تلك الشروط والتعريفات والذي يحتاجه الإبداع لينمو ويزدهر وبدونه قد يذبل وتصبح فرصه في نجاة قليلة ونادرة هو الحرية في إبداء الرأي، فهو يحتاج أن يُعطى الفرصة والمساحة في التفكير، وأن يخرج عن النمط التقليدي المرسوم له. ويدل على ذلك أن بعض الدراسات تشير إلى أن الطفل دون الخامسة يملك 90% من ملكة الإبداع، ثم تهبط تلك النسبة إلى 10% إذا وصل إلى سن السابعة، ثم تنحدر انحدارا شديدا فتصل إلى 2% فقط مع سن الأربعين !!.

ولعل السبب وراء ذلك أن الطفل دون السابعة يكون قد سمع الآلاف من كلمة "لا" من محيط البيت، ثم بعد السابعة تبدأ رحلة المدرسة فيأخذ منها نظام التلقين، ثم إذا توظف عليه إتباع نفس الإجراءات والنظام المطبق منذ سنين بنفس الطريقة التقليدية !!. فإذا كان البيت ثم المدرسة ثم العمل يقولون له بطريقة أو بأخرى نحن نفكر عنك فلا تتعب عقلك !، فكيف نتوقع إبدعا بعد ذلك ؟!.

إن المتأمل منا يلاحظ أن الإبداع لا يشع في مناخ الكبت الفكري أو في نظام الرأي الواحد والطرق التقليدية. ولننظر مثلا إلى غزوة الخندق فقد أشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق لما كان الجو الفكري منفتحا وصافيا من الشوائب، وذلك لأن القائد العظيم عليه الصلاة السلام قد أعطى الحرية للأفكار أن تتدفق وترى النور، وفي موضع آخر قال "أشيروا عليَّ أيُّها النَّاسُ".

حتى يأتي الإبداع متدفقا إلى الحياة لابد من يتنفس أوكسجينا من الحرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي