الميزانية .. ومقاييس الأداء

تترقب الشعوب - على اختلاف غناها وفقرها ومواردها الطبيعية وتفاوت مداخيلها الاقتصادية وترتيبها على السلم الحضاري العالمي - تترقب جميعها ما تعلنه الحكومات من أرقام تخص موازنتها الداخلية لكل عام جديد تستقبله، لتحدد بموجب ذلك ما يمكن أن تشهده من تطور ونمو، أو تراجع وانحدار، حيث أصبحت أرقام الموازنات مؤشرات حقيقية لذلك، وعلامات يمكن التنبؤ بها لمستقبل البلاد الاقتصادي، ومستوى معيشة الأفراد فيها "سلباً كان ذلك أو إيجاباً"، وكذلك قياس مستوى الأداء الحكومي في إدارتها، وحسن التعامل مع تنفيذ استراتيجياتها المختلفة.
وقد اعتدنا في مملكة الخير، وموطن الكرام في المملكة العربية السعودية أن نستقبل كل عام بميزانية تاريخية تلو الميزانية، وذلك لما تحمله من أرقام تعكس بشكل لا يقبل الجدال أو الشك حرص المملكة على راحة مواطنيها، ورغبتها المستمرة في توفير سبل العيش الآمن والكريم لمن فيها، وليس آخرها ميزانية عام 2013 التاريخية التي نتمنى من جميع المسؤولين والوزراء أن يحققوا معها إنجازات تاريخية بحجمها.
إن على عاتق جميع المسؤولين تقديم ما هو أفضل للمواطن، وهم أهل لذلك - إن شاء الله - ونحن معهم، لذلك نقول، ونبدأ بما يقترب من حكمة قديمة : إن النعم تزول إذا لم نحافظ عليها ونحسن استغلالها. خذ مثلاً الاستغلال الأفضل للموارد، فلابد أن تكون هناك مراقبة عالية جداً، وشفافية في طرح المشاريع بصورة عامة، ومن المهم أن تكون لدينا مقاييس للإنجاز وقياس للأداء على غرار ما هو معمول به في القطاع الخاص، مع أن القطاع العام أولى لأن المال هنا عام، وللجميع حق فيه.
لكن ما هي المقايس الدولية لكل قطاع؟ ولنأخذ الصحة مثلاً، حيث يكون المقياس الدولي لعدد الأسِرَّة ما يقابل عدد الأفراد، وذلك لتقدَّم لهم رعاية صحية ممتازة، لكن أين نحن يا ترى من هذا الرقم؟ وكيف سنصل للرقم المطلوب؟ إلى كم طبيب نحتاج؟ وكم ممرض وممرضة؟ وقس على ذلك. وإذا لم نكن قد وصلنا إلى المطلوب "دولياً" فيجب أن نعلم أبناء هذا البلد على المهن الصحية مثل الطب والتمريض وخبرات المختبرات الطبية وغيرها من المستلزمات، وأتمنى من وزارة الصحة أن تخرج علينا بتصريح تقول فيه إنها تحتاج إلى كذا من العاملين في الحقل الصحي خلال السنوات الخمس القادمة، ونحتاج إلى كذا سرير، وبهذا التصريح نستطيع أن نقيس حجم الإنجاز.
والحال نفسها مع قطاع التعليم العام، فليس المهم كم مدرسة لدينا، أو كم صفا، إنما كيف نحصل على أفضل خدمات تعليمية تنسجم والطموحات التي تنوي الحكومة تحقيقها للمواطن السعودي، وتبقى أمنياتنا مستمرة، ولكنها موجهة هذه المرة إلى وزارة التعليم، حيث لا بد أن تقيس مخرجات التعليم خصوصاً في العلوم الأساسية مثل: الرياضيات والفيزياء والكمياء واللغة الإنجليزية - التي تعد اليوم اللغة الأساسية في جميع التعاملات -، سيكون التعليم ناجحا بلا شك إذا كنا نحن السعوديون من يحصدون الجوائز العلمية في جميع المسابقات الدولية للرياضيات والفيزياء وغيرها من العلوم، وكذلك عندما يرتفع معدل درجات الطلاب السعوديين في الاختبارات الدولية للتحصيل مثال SAT وغيرها، وهكذا عندما يشكل السعوديون أكبر عدد من المقبولين والخريجين من أفضل عشر جامعات في العالم.
قطاع المواصلات هو الآخر يحتاج إلى نهضة، ففي كل ميزانية ترصد الحكومة المليارات للطرق ولكن للأسف ما إن ينتهي مشروع إكساء شارع معين حتى تبدأ مشاريع التخريب بقطع الشارع لتمديد الهاتف ثم بقطع الشارع لتمديد المياه ثم بقطع الشارع لمتمديد الصرف الصحي حتى يتحول الشارع الجميل إلى شارع مرقع، ومن هنا يجب أن يفرض على جميع المطورين العقاريين عند تطويرهم أي مخطط عقاري جديد أن تكون فيه قنوات الخدمات على غرار الموجود في مدينة الجبيل الصناعية التي وفرت فيها جميع الخدمات من مياه وهاتف وغيرها من الخدمات.
أرجو أن تكون هناك مقاييس لقياس أداء جميع الوزارات الخدمية التي تمس حاجة المواطن، وأن يكون هدف الجميع أن السعودي يستحق الأفضل، وهذا هو حلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وما علينا إلا تحقيق هذا الحلم لوالدنا، وإقرار عينه بما يتمناه لنا من التطور والنماء، وفينا من الطاقات ما يحقق هذا الطموح، فماذا نحن فاعلون؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي