قراءة في مسلسلات عام 2012
من المقاطع المألوفة في المسلسلات الغربية – أجارنا الله وأجاركم من شرورها – مشهد يدخل فيه ثلاثة رجال من مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI لإحدى الشركات الكبرى أو المؤسسات الحكومية المرموقة ويتلون التهمة على رئيس الشركة أو الإدارة الحكومية المعنية ثم يكبلون يديه بالأصفاد ويقتادونه للتحقيق. غالباً ما تكون التهمة هي الفساد المالي أو الإداري، تتم بعدها محاكمة المتهم ثم يطبق الحكم بعد الاستماع للمدعي العام والشهود ودفوع المحامي.
بصراحة أستغرب هذا التنظيم في إصدار الأحكام القضائية وتطبيقها في هذه المجتمعات المتحضرة كما يظهر في برامجهم ومسلسلاتهم التلفزيونية. كذلك أستغرب سلاسة وسهولة الإجراءات القانونية التي تعتمد بالدرجة الأولى على تقنين الأحكام القضائية دون إعطاء القاضي أو هيئة المحلفين أي فرصة للاجتهاد الشخصي. كل الأحكام القضائية لديهم موثقة ومرتبة بأسلوب روتيني مهني وممل حتى تكاد أن تتنبأ بنهاية المسلسل من بدايته؛ فجريمة السرقة من المال العام معروف الحكم فيها، وكذلك جرائم التزوير والرشا وقضايا الفساد الأخرى.
طيب ماذا عن مسلسلات المجتمعات الأخرى وطرق وأساليب معالجتها لمثل هذه القضايا الخطيرة؟ تابعت باهتمام البرنامج الحواري ''السيول في ساعة'' وكيف تمت إحالة 11 متهما جديدا في قضايا السيول (في ديرة ما) إلى القضاء، ليرتفع بذلك عدد المتهمين الذين تمت إحالتهم للمحكمة الإدارية إلى 99 متهماً في 28 قضية. أبطال المسلسل المفترضون راشون أو مرتشون لأراض، وسطاء في رشوة، مستغلون للنفوذ الوظيفي، مزورون لصكوك استحكام لمساحات كبيرة تصل قيمتها إلى المليارات. كذلك شملت التهم إساءة الاستعمال الإداري، الاشتغال بالتجارة والتربح بالوظيفة العامة، إفراغ مخططات سكنية تقع في مجرى السيل، وإلحاق أضرار بالممتلكات العامة والخاصة. أخرج المسلسل أمين سابق ومساعده، تصوير وكيلي الأمين، سيناريو كاتب عدل، إنتاج رجال أعمال، وتوزيع رئيس نادٍ شهير.
هناك أيضاً برنامج ''من يلهف المليون''، وأهم أربعة مقاطع فيه مشهد الرشوة المتمثلة في قطعة أرض قيمتها 1.3 مليون فقط لا غير. المشهد الثاني ثبوت التهمة بوضع المتهم الآخر يده على مخطط مشهور ودفع 500 ألف للأشخاص المقيمين فيه واستخراج حجة استحكام عليه وحصل مقابل ذلك على أربعة ملايين. أما المشهد الثالث فهو كشف محافظ منطقة كبرى عن تورط أثرياء ومسؤولين في تعديات وإحداثيات على أراض حكومية. المشهد الرابع يروي محاكمة متهمين بينهم كُتاب عدل وضبط، وموظفون في المحاكم، وعقاريون في قضية تزوير خمسة صكوك لأراض يبلغ مجموع مساحاتها 1.6 مليون متر مربع.
في برنامج ''الكاميرا الخفية'' يتم العثور على ثلاثة ملايين نقدا وعداً في منزل أحد المتهمين موزعة تحت السرير وخلف مرايا الحمام. وقبل أن أنسى، أذكركم بمسلسل ''هوامير الوثائق'' وأهم مشهدين فيه تزوير صكوك شرعية للاستيلاء على أراضٍ في المنطقة. حيثيات هذا المشهد متشابكة، فقد اعترف كاتب عدل متهم بأنه تسلّم خطاباً ''مزوّراً'' من رئيس المحكمة يفيد بأن الصكوك محل الاتهام صحيحة، لكنه فوجئ بخطاب آخر بعد فترة وجيزة يأمر بإيقاف إصدار هذه الصكوك المشبوهة. أما المشهد المثير الثاني فيروي قضية 12 متهما بينهم كاتبا عدل وكاتب ضبط وعدد من موظفي المحكمة العامة لاتهامهم وفق اللائحة بتزوير ثلاثة صكوك أراض بمواقع مختلفة بالمنطقة. كم هي قيمة الأراضي؟ 100 مليون فقط لا غير. وثائق مزورة وصكوك مشبوهة مثيرة في حبكة درامية مؤثرة.
أما مسلسل ''ولادة متعثرة'' فهو حكاية أخرى. التقرير الرسمي للجهة الرسمية أكد بما لا يدعو للشك أن هناك خللا واضحا في آلية ترسية وتنفيذ المشاريع التي تشكل نحو 38 في المائة من حجم الإنفاق الحكومي في الميزانية. لعلي أذكركم أن سيناريو التقرير ذكر أيضاً أن هناك أكثر من ألف مشروع حكومي متعثر لأسباب عديدة لعل أهمها مقاولو هذه المشاريع.
البرنامج الغنائي ''أجمل بوت'' يحكي قصة قيام مسؤول كبير بشراء بوت (قارب) ابن رئيسه بمبلغ وقدره مع تحميل المبلغ على المؤسسة التابعة للدولة. مسلسل ''درب الرشا'' حافل بالمشاهد الرومانسية؛ مساعد الأمين متهم بالحصول على مبلغ 1.5 مليون من موظف حكومي يعمل لدى شخصية مسؤولة، ليس هذا فحسب، بل إن المتهم حصل على نصف مليون أخرى من رجل أعمال شهير إضافة إلى منزل من شخص مهم ثالث.
مسلسل ''بزران البحر'' يروي قصة تفاجئ الهيئة الرقابية الرسمية من رد أمانة المنطقة في خطاب لها حول أداء بعض المشروعات في عدد من الأحياء. يبدو أن المشروع يقضي بتقسيم حي معين إلى ثلاثة بلوكات بينها ممر مائي، إلا أن المنازل شُيدَت بالحي قبل البدء بتخطيط الشوارع وتحديد مناسيبها. طبعاً هذا يجعل مناسيب بعض المنازل أكثر انخفاضاً من منسوب الطريق، الأمر الذي سيسمح بدخول مياه الأمطار إليها. لا تتسرعوا بالحكم على نهاية المسلسل، فقد تكون أمانة المنطقة قد أكدت للهيئة سابقاً أن الحي المعني تم تنظيم المخطط به على المناطق الآمنة من خطر الأمطار.
الفرق الواضح بين البرامج والمسلسلات الغربية والمسلسلات الأخرى هو أن فترة المحاكمة في الثانية قد تطول لأكثر من ثلاث سنوات. لا داعي للاستعجال، فباب الاجتهاد مفتوح على مصراعيه والأحكام ميسرة رغم أن بعض هذه الكوارث قد نتج عنها إزهاق للأرواح وإتلاف للممتلكات العامة والخاصة.