الأسرة وإعادة صناعتها

مصطلح الصناعة وإعادة التدوير وتطوير المنتج لغة عصرية أصبحت تفرض نفسها في أدبيات الحديث والكتابة، لهذا أجدني اليوم أستعرضها عند الكتابة في موضوع الأسرة وإعادة النظر في العلاقات الأسرية المباشرة وغير المباشرة، وكذلك نوع الأسرة وحجمها وتشعبها، وسبب العودة لموضوع الأسرة وإعادة صناعتها نابع مما أراه اليوم من تفكك أسري وتغير في مفهوم الأسرة وعلاقات أفرادها، وتبنينا لكثير من الأفكار والمشروعات الغريبة عنا .
إن الاهتمام بالترابط الأسري من المنظور الإسلامي والعلاقات المجتمعية والتطور التاريخي يعتبر محركا أساسيا ومدخلا مهما في إعادة الصناعة والبناء السليم للعلاقة دون إهمال لمتطلبات ومتغيرات العصر الحاضر وتطلعات المستقبل، ولعل المنطلق في وضع التصور السليم لهذه الصناعة المطلوبة الانطلاق من قول الله تعالى ''اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا''، هذا الكمال للدين وإتمام النعمة والرضا من الله - سبحانه وتعالى - بالإسلام دينا يعطي الأساس والمنطلق من جعله خريطة طريق لأي عمل يمكن الاستنباط منه، وهو ما يعين على بناء صناعة أسرية تتوافق مع متطلبات عصرها ولا تتعارض مع توجيهات ربها، ولعل على قائمة هذه الصناعة العلاقة الأساسية التي بنيت بين الرجل وزوجته التي تنطلق من المودة والرحمة، لقول الله - سبحانه وتعالى ''ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة''.
إن الأخذ بمفهوم المودة والرحمة في صناعة الأسرة هو المعين بعد توفيق الله على حسن تربية الأطفال وتنشئتهم التنشئة السليمة التي تؤكد أهمية أن يكون الإنسان مواطنا صالحا منتجا حتى نجعل منه منافسا قويا في زمن لا مكان فيه للضعيف أو المتخاذل، وهذه التربية الصانعة لقوة جديدة للأسرة تحتاج إلى القدوة الصالحة من الأبوين حتى نحقق التلاحم الأسري ونعزز الرحمة والمودة بين أفراد الأسرة ونؤكد رعايته أفرادها بعضهم بعضا مصداقاً لقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام ''كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها....'' الحديث، هذه الرعاية ضمن الأسرة الكبيرة بالوطن والصغيرة بالزوج والزوجة تتطلب إعادة تقويم للتجربة الحالية التي نعيشها وما نلاحظه من تفكك أسري وزيادة في فجوة العلاقة الأسرية وارتفاع مشاكل الطلاق والعقوق والتعدي بالضرب والسب على الوالدين والزوجة والزوج ''أحيانا'' والأبناء وزيادة الفجوة بين سكان الحي الواحد، هذه الظواهر التي نعيشها والتي تسوقنا الآن إدراكا لخطورتها نحو تبني العديد من الأفكار والمدارس الأجنبية التي أخذت بمفهوم وثقافة الفرد أو ما سميته ''الأنا'' بحيث أصبح الإنسان مصنوعا لنفسه فقط، وهذه الصناعة قادت إلى إنشاء دور رعاية المسنين والمعوقين ودور الرعاية وغيرها، ما ساعد على المزيد من التفكك الأسري وضعف الانتماء الوطني. وللطرح بقية حول الصورة التي يجب أن ننطلق منها في تعزيز البناء الأسري السليم، وربما هذا يؤكد الحاجة إلى إيجاد مركز للدراسات الأسرية. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل

إذا أنا لم أعط المكارم حقها
فلا عزني خال ولا ضمني أب
خلقت عيوفا لا أرى لابن حرة
عليّ يدا أغضي لها حين يغضب
فلست لأمر لم يكن متوقعا
ولست على شيء مضى أتعتب
أسير على نهج يرى الناس غيره
لكل امرئ فيما يحاول مذهب

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي