3 مؤسسات حكومية .. هل تتحول لـ «شركات»؟

''الخصخصة'' إحدى أنجح الوسائل لإعادة هيكلة القطاع العام، إذ تسهم إداريا وتنظيميا في زيادة رشاقته، وتخلصه من الوزن الزائد، وتحقق في الوقت ذاته مكاسب اقتصادية، منها تجويد الخدمات والمنتجات، والتخلص من البيروقراطية والفساد، واستحداث المزيد من الوظائف للمواطنين والمواطنات، كما حصل عندما تمت خصخصة قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، تُرك للحكومة الإشراف على القطاع، وأسند للشركات الخاصة توفير الخدمات.
لذا، أجدني من المؤمنين بفكرة الخصخصة، وإرخاء قبضة الحكومة على الأجهزة المقدمة للخدمات، ولعلنا هنا نقدح زناد النقاش لنطرح أمام متخذي القرار أفكاراً قد تنطلق منها دراسات جدوى موسعة:

المؤسسة العامة للصناعات الحربية
في عام 1985، تحولت المصانع الحربية إلى ''المؤسسة العامة للصناعات الحربية''، ونقترح بعد هذه الأعوام، تحويلها إلى شركة حكومية، على غرار شركة العلم لأمن المعلومات، التي نعتز بشراكتها الناجحة مع وزارة الداخلية، الأمر الذي مكّنها من توفير خدمات إلكترونية استفادت منها المؤسسات والشركات في القطاع الخاص (كخدمة ''مقيم'' مثالا).
بل يمكن للشركة- إذا استوفت شروطا معينة- أن تصبح إحدى شركات ''برنامج التوازن الاقتصادي'' الذي أسسته الحكومة السعودية عام 1984 من أجل تدوير نسبة من الأموال التي تنفقها الحكومة على عقود مشترياتها الخارجية الكبرى بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، عبر اتفاقيات للتوازن الاقتصادي تُوقّع مع الجهات الأجنبية المنفذة لهذه العقود (مثل بوينج وجنرال إلكتريك وغيرها)، علما أن البرنامج تنضوي تحته شركات وطنية تعمل في مجالات عدة بدءا من الطيران والفضاء، والطاقة والإلكترونيات، والاتصالات وتقنية المعلومات، ومرورا بالكيماويات والبتروكيماويات، وانتهاءً بالأدوية والتعليم والتدريب.
إن تحول الصناعات الحربية من مؤسسة عامة إلى شركة تتمتع بالمرونة والديناميكية، لا يعد خطوة تنظيمية قانونية بحتة، بل إنها خطوة تنطوي على أبعاد اقتصادية تصب في توجهات السعودية نحو الاقتصاد المعرفي، كما يمكن أن تتخذ هذه الشركة من وادي الرياض للتقنية، الذي تحتضنه جامعة الملك سعود، مقراً لها، أو تتخذ مقرها في إحدى مدن الصناعات العسكرية الخمس (الخرج، سلوى ، رابغ، الأحساء الثانية، ضرما).

مؤسسة البريد السعودي
في عام 2002، تحولت المديرية العامة للبريد إلى مؤسسة عامة تعمل– كما تدعي- وفق فلسفة القطاع الخاص، وفي عام 2006 شهدت المؤسسة تغييرات إدارية وتنظيمية وتشغيلية تمثلت في استحداث إدارات وتقديم خدمات جديدة والإعلان عن المشروع الجديد للعنونة والتوصيل الحديث إلى المنازل والمباني.
حقيقةً لا أجد مبررا- في هذا العصر- أن تحتفظ الحكومة بوظيفة تقديم خدمات البريد، ولا سيما في ظل مبادرات خصخصة البريد في الدول الأخرى، ألم تعمد اليابان– مثلا- إلى خصخصة مؤسسة البريد بكل موظفيها البالغ تعدادهم 400 ألف موظف؟ وبذلك سجل لها التاريخ أنها الدولة صاحبة أكبر عملية خصخصة في العالم!
إن مؤسسة البريد السعودي تتلمس لنفسها موقعا في السوق في ظل منافسة شديدة من شركات البريد والشحن الإقليمية والعالمية، لذا فإن تحول هذه المؤسسة إلى شركة تعمل بوتيرة سريعة، وبمهنية عالية، ووفق فلسفة القطاع الخاص– بشكل حقيقي- سيضمن جودة خدماتها، وأبرزها وصول الإرساليات إلى العنوان الصحيح، وفي الوقت المطلوب دون ضياع أو تأخير.

المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني
كان التدريب التقني والمهني في السعودية مشتتاً بين ثلاث وزارات في الماضي: وزارة المعارف (التعليم الثانوي الفني بأنواعه: الصناعي والزراعي والتجاري)، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية (مراكز التدريب المهني)، ووزارة الشؤون البلدية والقروية (معاهد المساعدين)، وفي عام 1980 تقرر توحيد الإشراف على قطاع التدريب عن طريق المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، وإلحاق المعاهد الفنية ومراكز التدريب المهني بالمؤسسة.
ولم يتوقف التغيير طوال هذه السنوات، حيث قرر مجلس الوزراء في عام 2005 إلحاق قطاع التدريب المهني للبنات بالمؤسسة، ثم وافق المجلس في عام 2007 على إعادة تنظيم المؤسسة، بما في ذلك تغيير الاسم إلى ''المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني''.
لكن المؤسسة– مع كل محاولات الحكومة في التغيير– لم تنجح بالمستوى المأمول وتوفر مخرجات عالية الكفاءة تستوفي حاجات سوق العمل التي تستورد بشرا لوظائف يمكن أن يشغلها خريجو المؤسسة، وهذا ما زاد من حدة الانتقادات تجاه المؤسسة سواء من مجلس الشورى أو رجال الأعمال عبر منتدى الرياض الاقتصادي أو حتى من وسائل الإعلام، ألم يوصّف أعضاء في مجلس الشورى برامج المؤسسة بأنها ''لا تسمن ولا تغني من جوع''؟ ألم يدع منتدى الرياض الاقتصادي إلى إعادة هيكلة المؤسسة؟ إعادة هيكلة، بحيث تتولى المؤسسة التنظيم والإشراف على شؤون التدريب الفني والتقني والمهني، فيما يتمكن القطاع الخاص من توفير التدريب، مع إلحاق الكليات التقنية والمعاهد العليا التقنية للبنات بالجامعات السعودية، حسب مواقعها الجغرافية، وإعادة هيكلة الكليات التقنية وتحويلها إلى كليات هندسة تطبيقية.
لا أظن أن وزير العمل يشعر بالرضا ذاته مع المؤسسة كما يشعر مع صندوق تنمية الموارد البشرية، ذلك الكيان الذي يصغر المؤسسة عمراً ويتجاوزها حركةً وديناميكية، لذلك أعتقد أن إحدى السيناريوهات التي يمكن النظر فيها تحويل المؤسسة إلى ''شركة'' تقدم التدريب بكل احترافية، كما يمكن النظر في السيناريوهات الأخرى التي طرحناها في عدد سابق من ''الاقتصادية'' (العدد 6502)، وتقترح صوراً جديدة للمؤسسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي