«أرامكو» ليست فوق القانون
تلقيت بعد آخر مقال كتبته عن شركة أرامكو منذ عدة أسابيع بعنوان ''أرامكو.. ضربتان في الرأس توجع'' مكالمة هاتفية من الأستاذ عصام توفيق، وهو أحد المسؤولين في الشركة عاتباً بلطف ورقي بالغين على العبد الضعيف لله. عندما ينتقد كُتاب الرأي أداء مؤسسة حكومية أو أهلية فهم بذلك يؤدون واجباً وطنياً من أجل التصحيح وليس التجريح. وكما كتبت في السابق عن إنجازات رجال ونساء هذه الشركة العملاقة، كتبت أيضاً عن الجوانب التي أهدف من خلالها دفع التميز والجدارة في أداء الشركة.
خاضت ''أرامكو'' مراحل صعبة وحرجة خلال الأشهر القليلة الماضية سأتعرض هنا لبعض منها.
عصفت قضية تلقي موظفين في الشركة رشا بأعمدة الصحف المحلية والعالمية. فتحت ''أرامكو'' تحقيقاً موسعاً ودقيقاً ووعدت بتطبيق إجراءات ''غاية في الصرامة والشدة'' ضد أي موظف قد يثبت تورّطه في مثل هذه الأعمال الدخيلة على ما درج عليه موظفو الشركة من التزام قوي بأعلى المعايير الأخلاقية والمهنية والقانونية في أعمالهم كما جاء في بيان الشركة. لم يقتنع البعض بنتائج التحقيق – وأنا منهم - من حرصنا على أن ''أرامكو'' ليست فوق القانون.
أعلم أن لدى ''أرامكو'' نظاما من المفترض أنه فعال وملزم لكل موظف لمنع تضارب المصالح، وضمان التقيّد بأخلاقيات العمل الرفيعة في كل ما يؤديه من أعمال. كما أن للشركة أيضا نظاما آخر يطبق على كل مقاول ومقاول من الباطن ومورد يتعامل مع الشركة يلزمهم بالقيم الأخلاقية والقانونية في التعاملات. لهذه الأسباب فإن ''أرامكو'' ليست فوق القانون.
الحالة الثانية هي تعرض ''أرامكو'' لاختراق أجهزتها نجمت عنه إصابة نحو 30 ألف جهاز وتعطيل العمل الآلي في الشركة لفترة طويلة. السؤالان المهمان هنا هل كان بإمكان الشركة تلافي هذه الكارثة الإلكترونية؟ وهل ساهم تخفيض ميزانية دائرة تقنية المعلومات في الشركة بطريقة غير مباشرة في نجاح الاختراق؟
الحالة الثالثة ظهرت حين جدد 95 شخصاً في الأحساء مطالبهم لشركة أرامكو بتعويضهم من جراء الخسائر المادية التي لحقت بهم إثر تضرر مركباتهم من البنزين المخلوط بالديزل بسبب ما نُشِر عن خطأ وحدة توزيع المحروقات التابعة لشركة أرامكو. مرت ثلاثة أشهر على القضية ولا يبدو أن المتضررين قد تلقوا أي اعتذار أو اتصال من الشركة. من الصعوبة بمكان أن نتخيل أن الشركة التي تتحكم في استكشاف واستخراج وتدفق ونقل وتكرير وتسويق وتصدير النفط من أكبر الحقول في العالم بإمكانها الوقوع في هفوة تعبئة صهاريج البنزين بالديزل. ليس لدي علم إذا كانت ''أرامكو'' قد ردت على شكاوى المتضررين أو باشرت في إجراءات تعويضهم، أم أنها اكتفت بإرضاء أصحاب المحطات بشحنات بديلة.
الحالة الرابعة تشبه الكلمات المتقاطعة. العنوان العريض هو تعثر نحو 200 مليون متر مربع من الأراضي تعود ملكيتها لأكثر من 30 ألف مواطن بسبب امتياز ''أرامكو''. بغض النظر عن صحة هذه الأرقام الفلكية، فقد أكد قاض في محكمة الاستئناف أن ما تقوم به شركة أرامكو من حجز لمخططات المواطنين في المنطقة الشرقية ''يعتبر ظلما واضحا من الشركة، وأن هناك أراضي مملوكة بصكوك شرعية قديمة. ''أرامكو السعودية'' شركة حكومية تحتكر كل ما يتعلق بقطاع البترول والغاز السعودي بموجب أوامر سامية. قد لا يكون من السهل على ''أرامكو'' التراجع عن قرارها بحجة الامتياز وإعادة الأراضي لملاكها ''الشرعيين''، فالأمر السامي بعدم الفسح للأراضي إلا بعد الرجوع لـ ''أرامكو'' ربما تم تجاوزه بحسن نية أو بغير ذلك. قد تكون الأراضي قد تم بيعها ربما لعدة مرات إلى أن تم إيقافها. السؤال المهم هو كيف تتصرف ''أرامكو'' وهي ''المالك الأصلي'' لهذه الأراضي؟ هل يتم تعويض المالكين اللاحقين بالتوافق مادياً أو ربما بأراضٍ أخرى في مناطق أخرى؟
لن أخوض في الحالات الأخرى التي تناقلتها التقارير والمقالات والتي شملت ''اليخوت الفاخرة'' ومحاباة الأقارب وتدني المعنويات إلى أن أتأكد من صحة مصادرها.
عندما ينتقد كُتاب الرأي أداء ''أرامكو'' أو أي مؤسسة أخرى، فإنهم بذلك يرفضون أن تشوب هذه الشركة أو تلك أي تصرفات توحي بتورط أي من موظفيها – على أي مستوى – بأعمال تتعارض مع المصلحة العامة. نتوقع أن تلتزم ''أرامكو'' بأعلى معايير النزاهة والدقة والشفافية في كل أعمالها – كما فعلت سابقاً - وخاصة بما يتعلق بالعقود والمشتريات والفوز بالمناقصات وتطبيقها بمواصفات تلاءم حجم التكلفة.
لأن ''أرامكو'' تضخ 93 في المائة في الإيرادات العامة للدولة، وبسبب استقلاليتها الكاملة عن كل الأجهزة الرقابية والمالية بما في ذلك وزارة المالية وديوان المراقبة... فهي لا يجب أن تكون فوق القانون.
عضو جمعية الاقتصاد السعودية