الإدارة فن أم علم؟

منذ زمن طويل والخلاف قائم والحقيقة غائبة فيما يتعلق بالإدارة، هل هي فن أم علم؟ والواقع أنني لست متخصصا في الإدارة، بل مارستها كرئيس وكمرؤوس ودرستها كعلم دراسة غير المتخصصين بها، وعلينا أن نتفق كما أشرت في مقال سابق - لنديم القلم - إلى أنني هنا لا أتحدث عن مصطلحات علمية موثقة ولا إحصائيات دقيقة. أنا هنا أتحدث حديث الصديق العزيز للصديق العزيز، ولا ضير من أن نتطرق لمختلف الموضوعات بطريقة مشوقة ولذيذة.
فما عسانا أن نقول عن الإدارة وهي كما أراها فنا موروثا عند البعض، وقد استطعنا نقله في العصر الحديث إلى الآخرين عن طريق التدريب والتعليم، هناك تعريفات كثيرة للإدارة، منها أنها عملية توجيه وتخطيط وتنظيم وتنسيق ورقابة وصنع قرار، والجيد في هذا التعريف أنه يبدأ بالتخطيط، فالتخطيط أساس وبداية كل عمل ناجح، فبالتخطيط تستطيع أن تحل المشاكل قبل وقوعها، وبالتخطيط نستطيع أن نتأكد من أن كل المهام ستنفذ ولن نغفل عن أي مهمة مهما كانت صغيرة، وبالتخطيط تستطيع أن تقيم عمل الآخرين وتعرف مستوى إتقانهم للعمل، وبالتخطيط تستطيع أن تراقب العمل بدون أن تكون حاضرا لأنك ستعرف في النهاية المهام التي تم تنفيذها والوقت والموارد التي تم استخدامها لذلك وتقارنها بما هو مخطط، وبالتخطيط تستطيع توفير الأدوات اللازمة لتنفيذ العمل، وبالتخطيط تستطيع أن ترتقي بالعمل إلى المستوى الاحترافي، وقد انتبه الغرب إلى أهمية التخطيط فأصبحوا لا يبدأون أي عمل إلا بالتخطيط حتى تلك الأعمال التي تتعلق بحالات الطوارئ، وحالات الطوارئ التي لا تحتمل التأخير عند وقوعها يتم إعداد تخطيط مسبق لها باستخدام قاعدة السيناريوهات المحتملة – إذا حدث كذا نفعل كذا - وحينما كنت أعمل في مكتب محاسب قانوني تعلمت أن التخطيط أهم مرحلة في العملية، فإذا كانت المهمة تحتاج إلى إنجازها عشر ساعات فبالتأكيد ستخصص تسع ساعات منها للتخطيط.
وهناك تعريفات أخرى للإدارة منها على سبيل المثال أنها عملية ذهنية وسلوكية تسعى إلى الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية لبلوغ أهداف المنظمة والعاملين بها بأقل تكلفة وأعلى جودة، وهذا التعريف أدخل سلوكياتنا ضمن مفهوم الإدارة، كما أنه ركز على تحقيق الأهداف بأقل تكلفة وأعلى جودة، كما أن أهدافه شملت أهداف المنظمة والعاملين بها معا، ولذلك أرى أن هذا التعريف أكثر شمولية على الرغم من أن التعريف السابق لم يستبعد ذلك ولكنه لم يذكره بشكل واضح.
وهناك تعريفات أخرى للإدارة منها على سبيل المثال أن الإدارة هي النشاط المسؤول عن اتخاذ القرارات وصياغة الأهداف، وتجميع الموارد المطلوبة واستخدامها بكفاءة، لتحقيق نمو المنظمة واستقرارها، وفي تعريف آخر تجد أن الإدارة هي مجموعة متكاملة من الخبرات والمهارات والقدرات، وفي تعريف آخر هي الاستخدام الفعال والكفء للموارد البشرية والمادية والمالية والمعلومات والأفكار والوقت من خلال العمليات الإدارية، وفي تعريف آخر هي عملية جوهرية لتسيير أمور الإنسان، وقد تميز بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، وفي تعريف الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - هي معرفة القرار الصحيح وشجاعة اتخاذه ومهارة تنفيذه.
نعم لقد كانت الإدارة فنا موروثا فلا يكون قائدا إلا من كان يملك مواصفات نستطيع التعبير عنها بمفهومنا الحالي بأنها خليط من فن الإدارة الموروث وخبرة جيدة في مجال العمل، وقد استمر هذا المفهوم إلى أن قامت الثورة الصناعية في أوروبا وأصبحت عمليات الإنتاج ممكنة، ما أوجد الحاجة إلى مديرين على مستويات مختلفة مثل المشرفين على خطوط الإنتاج ورؤساء الأقسام ومديري الإدارات، ما أنتج الحاجة إلى تحويل فن الإدارة إلى علم يمكن نقله إلى الآخرين، وهنا ظهر الفارق الكبير والشاسع بين القائد والمدير، فالقائد هو من يملك فن الإدارة بالوراثة فهو مولود بها وتربى عليها ومارس هذا الفن في طفولته مع عائلته وأصدقائه وفي مدرسته، أما المدير فهو من تعلم الإدارة كعلم واكتسب مهاراتها، وتجد أن القائد يملك كارزما تجعله محبوبا جدا من قبل مرؤوسيه، أما المدير فقد لا يكون مكروها لدى مرؤوسيه، ولكنه أيضا لا يملك تلك الكارزما التي لدى القائد والتي تجعل المرؤوسين في حالات القيادة العامة يكونون مستعدين للتضحية بأنفسهم من أجله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي