«زهرة» .. حديقة عطاء
شد انتباهي الأسبوع الماضي حدثان مهمان، لهما علاقة مباشرة بالعمل الإنساني الرائع الذي تقوم به جمعية زهرة لسرطان الثدي. الخبر المفرح الأول هو توقيع شركة سابك عقداً لشراء عيادة متنقلة للاكتشاف المبكر لسرطان الثدي لمصلحة جمعية زهرة الخيرية.
هذه ليست أول مرة تبادر فيها جمعية زهرة لسرطان الثدي - الأكثر نشاطاً في مكافحة السرطان في السعودية - بإثراء البرامج الوطنية لمكافحة السرطان بصمت وقور وإنجازات لا تعرف الخيلاء أو الكبرياء. جمعية زهرة كانت قد رعت حملة ''نساء جبل إيفريست'' حيث تسلقت مجموعة من السيدات الصعاب ليصلن إلى قاعدة ''بيس كامب'' العام الماضي، ضمن برنامج الجمعية لنشر الوعي الصحي والاجتماعي بين النساء، عن مخاطر سرطان الثدي.
عندما قابلن الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، العضو المؤسس لجمعية زهرة لسرطان الثدي وزميلاتها قبل قيامهن بالرحلة الجريئة، لمحت إصرارهن على تحدي الصعاب وتوعية المجتمع بأهمية الكشف المبكر، من خلال المنتديات العلمية والزيارات المتتالية لمدارس البنات، وتحفيز السيدات على المشاركة بشكل أكبر في محاربة المرض، ودعم المصابات به، والتشجيع على أسلوب صحي متكامل .. اخترن مواجهة التحديات بالإيمان عوضاً عن الاستسلام.
ليس هذا كل ما تقوم به جمعية زهرة، بل تعمل الجمعية أيضاً على تطوير الكفاءات السعودية في مجالات الأبحاث الخاصة بسرطان الثدي، من خلال البرامج التدريبية وبرامج الابتعاث. سبقت ''زهرة'' أيضاً مثيلاتها من جمعيات السرطان بتوفير الأجهزة الطبية المتخصصة للكشف المبكر عن سرطان الثدي ومجانية الحصول على الكشف لكل السيدات في المجتمع السعودي. لذلك لم أستغرب أن تقوم ''زهرة'' بتوفير الرعاية الصحية للمصابات، وتوجيههن للمؤسسات المتخصصة للعلاج، والعمل معهن خطوة بخطوة حتى يتم تحقيق الشفاء التام - بإذن الله.
الخبر المفرح الثاني هو ترشيح الدكتورة سامية العمودي، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، مديرة مركز الشيخ محمد العمودي للتميز في الرعاية الصحية لسرطان الثدي، لعضوية الاتحاد الدولي لمحكافحة السرطان. عندما هاتفت الدكتورة سامية مهنئاً، وهي بالمناسبة أيضاً عضو في جمعية زهرة، كانت نبرات صوتها تحكي تجارب سنوات طويلة صامدة في مكافحة مرض السرطان، وكيف أثرت تجربتها إيجابياً فيمن أصبن بهذا المرض فصبرن وجاهدن وكافحن إلى أن كتب الله لهن الشفاء.
لن تكون مهمة الدكتورة العمودي سهلة، كأول امرأة سعودية وخليجية تحصل على هذا المنصب، فهي ستعمل مع زملائها في الاتحاد على خريطة طريق محددة لصياغة استراتيجيات علمية، ووضع السرطان في الأولويات الصحية لكل العالم.
كل العالم؟ نعم، فهذا اتحاد دولي يجمع نخبة من أطباء العالم في مجال مرض السرطان.
قصة كفاح الدكتورة العمودي بدأت عندما سقطت سماعة الهاتف من يدها وجلست مذهولة لفترة وجيزة، بعد إبلاغها بأنها مصابة بالسرطان وأن المرض في المرحلة الرابعة والأخيرة. لم تيأس، بل رفعت كفيها للسماء مناجية رب العالمين: ''هل هذه رسائل حب وابتلاء؟ إن كانت كذلك فأعنّي يا الله فأنا قد مسني الضر وأنت أرحم الراحمين''.. لم تقنط من رحمة الله، بل نطقت من الألم دعاء.
استمرت مسيرتها التاريخية المضيئة لمكافحة مرض سرطان الثدي بإلقاء عشرات المحاضرات للتوعية عن المرض، وألفت كتاباً بعنوان (اكسري حاجز الصمت) عن رحلتها المضنية، أقترح أن يكون من مقتنيات كل سيدة وفتاة. أصبحت الدكتورة سامية العمودي ناشطة عالمية، ونالت سمعة كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي في مجال سرطان الثدي، كما اختارتها الخارجية الأمريكية عام 2007 ضمن قائمة أشجع عشر نسوة في العالم.
مرض سرطان الثدي يمثل نحو 24 في المائة من السرطانات النسائية، ويصيب خمسة ملايين امرأة حول العالم، ويحتل المرتبة الأولى في قائمة أمراض السرطان التي تصيب النساء في السعودية. المدن الطبية للحرس الوطني وحدها تستقبل نحو 500 حالة سرطان ثدي جديدة سنوياً.
جمعية زهرة، والدكتورة سامية العمودي حدائق عطاء وردية تنبت كل يوم حولنا لتضيف عبقاً ساحراً لا يزول. فعلاً .. النفوس القوية لا تعرف اليأس.