هل ستنجح بريطانيا في حربها ضد مناطق الأوفشور؟
في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012م، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، مقالاً للكاتب جيمي دوارد، تحدث فيه عن نية الحكومة البريطانية إجبار مناطق الأوفشور الواقعة تحت مظلة التاج البريطاني، على الكشف عن الأسماء التي تقف خلف الكيانات المسجلة نظامياً هناك، (ومن أهمها الترست والفاونديشن والشركة الخاصة)، بهدف إلزام الأفراد والشركات المالكة لهذه الكيانات بالقوانين الضريبية البريطانية، وذلك اعتباراً من عام 2014م، حيث من المتوقع أن يشمل ذلك عددا كبيرا من مناطق الأوفشور مثل: جزيرة جيرسي وجزيرة مان وجزر الكيمان والجزر العذراء وجزيرة جيرنسي وجزيرة برمودا، وغيرها من المناطق.
للتوضيح.. تسمح القوانين الضريبية البريطانية حالياً بإعفاء الكيانات المسجلة في مناطق الأوفشور البريطانية من الضرائب، على اعتبار أنها مملوكة لأفراد وشركات غير مقيمين، وبالتالي وجد الكثير من الأفراد والشركات غير المقيمين، فرصة نظامية لتسجيل أصولهم الاستثمارية داخل بريطانيا (مثل العقارات والاستثمارات) في مناطق الأوفشور للاستفادة من الإعفاءات الضريبية، ومن مبدأ الاستمرارية بعد الوفاة، حيث يشمل ذلك الإعفاء من: ضريبة المكاسب الرأسمالية، ضريبة الدخل ، ضريبة المجلس البلدي، ضريبة نقل الملكية، وضريبة التركة، حيث تصل نسبة ضريبة التركة فقط إلى نحو 40 في المائة من قيمة العقارات والأرصدة المصرفية يتم اقتطاعها عند وفاة مالكها!
هنا يجب أن أبين أن ضريبة التركة في الأساس، هي مبدأ إسلامي يطبقه كثير من الدول المتقدمة لمحاربة اكتناز الأموال، حيث إن فرض هذه الضريبة يهدف إلى توجيه رؤوس الأموال إلى الاقتصاد الحقيقي (الإنتاج والتوظيف.. إلخ)، بدلاً من الاكتناز الجائر على شكل عقارات وأرصدة مصرفية. على أي حال، ما يهمنا هنا أن الحكومة البريطانية تنوي تغيير القوانين الضريبية لتشمل غير المقيمين في مناطق الأوفشور التي تحتضن أصولا استثمارية ضخمة جداً، قد تصل قيمتها إلى تريليونات الجنيهات، وهو مؤشر واضح على المصاعب المالية الكبيرة التي تواجهها الحكومة البريطانية الآن، إلى جانب ضغوط قوية من الاتحاد الأوروبي لسن قوانين تهدف إلى إعادة تنظيم عمل مناطق الأوفشور حول العالم.
بقي أن أشير إلى أن الحرب التي ينوي رئيس الوزراء البريطاني ووزير خزانته خوضها قريباً لإعادة تنظيم مناطق الأوفشور البريطانية، لن تكون حرباً سهلة على الإطلاق، حيث إن أقصى ما سيستطيعان تحقيقه هو الكشف عن الأسماء التي تمتلك الكيانات المسجلة في مناطق الأوفشور فقط، وهذا لا يعني بالضرورة أنهما سيتمكنان من جمع إيرادات ضريبية جديدة، حيث من المتوقع أن تكون المسألة أكثر صعوبة وتعقيداً مما تظنه السلطتان التشريعية والتنفيذية، ويبدو لي أن المحامين هناك سيكونون مشغولين جداً مع عملائهم في الفترة المقبلة.