هل لدينا الشجاعة لتفعيل قرارات القمة؟

أعتقد أن من أهم فقرات البيان النهائي للقمة العربية الاقتصادية تجديد القادة العرب التزامهم الكامل بتنفيذ القرارات التي تم اتخاذها في القمتين التنمويتين اللتين عقدتا في الكويت وشرم الشيخ وضرورة الإسراع بإزالة كافة العوائق التي تقف أمام إنجازها. أكاد أجزم أن هذه الفقرة ستتكرر في القمة الاقتصادية القادمة بعد تراكم عدد القرارات التي لم تُفَعَل منذ القمة الأولى في الكويت عام 2009م.
قد يكون القرار الوحيد الذي يبعث على الأمل والذي يختلف عن قرارات القمم السابقة مبادرة خادم الحرمين الشريفين الداعية لزيادة رؤوس أموال المؤسسات المالية العربية المشتركة بنسة لا تقل عن 50 في المائة لأهمية الدور الحيوي الذي تضطلع به تلك المؤسسات لمواجهة الحاجات التنموية المتزايدة في الدول العربية، وكذلك زيادة رؤوس أموال الشركات العربية المشتركة بنسبة لا تقل عن 50 في المائة بما يكفل تطوير إمكاناتها في تأسيس مشروعات إنتاجية عربية مشتركة جديدة والمساهمة في مشروعات وطنية بالتعاون مع القطاع الخاص العربي من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة من السلع والخدمات التي يحتاج إليها المواطن العربي.
هذه النقطة مهمة، ومن المهم أن نعمل على سد الفجوة التي تعاني منها الدول العربية في العديد من السلع والخدمات، وأن يتم تفعيل ''السوق العربية المشتركة'' التي اقترحها القادة العرب عام 1958 (أي قبل 55 عاماً) وما زالت في قائمة الآمال.
طالب القادة العرب بإيجاد فرص عمل جديدة لخفض معدلات البطالة. لقد وصلت أعداد هجرة الأطباء والمهندسين والعلماء العرب إلى أوروبا وأمريكا إلى حوالي 24000 طبيب، و17000 مهندس، و75000 متخصص في العلوم الطبيعية والاستراتيجية والطبية والهندسة النووية وتقنية الأنسجة وعلوم الفضاء والهندسة الوراثية. وبناءً على ما جاء في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي، فإن أكثر من مليون عالم وخبير عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة هاجروا إلى الغرب خلال نصف القرن الماضي.
اعتمدت القمة الاتفاقية الموحدة (المعدلة) لاستثمار رؤوس الأموال في الدول العربية، ولكن المهم هو أن تتواءم هذه الاتفاقية مع المستجدات على الساحة العربية والإقليمية والدولية. نحن لسنا بمعزل عن العالم، المعونات الحكومية وحدها لن تكفي ولن يكون بإمكاننا تفعيل هذه الاتفاقية ما لم نجعل المنطقة العربية منطقة جاذبة للاستثمارات وأن يبادر القطاع الخاص للاستفادة مما توفره هذه الاتفاقية من مزايا وضمانات.
طالب القادة بتنفيذ الأهداف التنموية للألفية ومن أهمها مكافحة الجوع وخفض مستويات الفقر وتحسين مستوى الخدمات الصحية، وقد نوه وزير الصحة عبد الله الربيعة أن نحو 40 إلى 50 في المائة من ميزانيات وزارات الصحة في الدول العربية تذهب لعلاج الأمراض المزمنة.
كذلك طالب القادة بسرعة تنفيذ البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي ولتحسين جودة التعليم وتشجيع ورعاية الباحثين والمبدعين العرب في مختلف مناحي البحث العلمي والتقني. آخر تقرير للأمم المتحدة يؤكد أنّ ثلث العرب من الأميين ويتمّ إنفاق 10 دولارات فقط على البحث العلمي للشخص الواحد. خلص التقرير إلى أنه على الرغم من أن على مدى السنوات الـ 40 الماضية، تمّ إنفاق 20 في المائة من الميزانيات الوطنية في العالم العربي على التعليم، يبقى متوسط الفرد العربي الذي يجيد القراءة ضئيلا جداً بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى، إذ إنّ أكثر من 60 مليون من العرب أميون، وثلثهم من النساء. فنلندا – على سبيل المثال - تنفق كل سنة ما يزيد على 1000 دولار للشخص الواحد في مجال البحث العلمي، فيما يتّم إنفاق أقل من 10 دولارت للشخص الواحد سنوياً في العالم العربي.
ونوه القادة بضرورة التفعيل الكامل للاتحاد الجمركي العربي لدعم مسيرة التكامل الاقتصادي العربي، ولكن الاتحاد الجمركي لن يكتمل ما لم تتنازل الدول العربية عن تحفظها على بعض أنظمتها الضريبية. من الضروري التنويه بأن الدول العربية بدأت في التخطيط لإنشاء السوق العربية المشتركة منذ عام 1951 (أي قبل السوق الأوروبية المشتركة)، وما زلنا في مرحلة التخطيط.
طالب القادة العرب باستثمار رؤوس الأموال العربية داخل الدول العربية وتوظيفها لتعزيز التنمية وتطوير اقتصادات البلدان العربية. يهم المواطن العربي تفعيل الحساب الخاص بتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية الذي انطلق من القمة العربية الاقتصادية الأولى في الكويت عام 2009 وما زال في طور التنفيذ.
نالت المرأة نصيبها في البيان الختامي بأربعة أسطر تؤكد عزم القادة على مواصلة الجهود لتطوير التشريعات التي تمكن المرأة من تنمية قدراتها ومهاراتها والقضاء على أميتها، والعمل على توظيف طاقاتها عبر إتاحة الفرص لها وعلى قدم المساواة لمزيد من المشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كلنا يعلم محدودية مشاركة المرأة العربية في الشأن السياسي وفي الحياة الاقتصادية وتدني مستوى مشاركة المرأة في المؤتمرات الدولية.
المواطن العربي يريد أن تحكم ''الشفافية'' تنفيذ قرارات هذا المؤتمر وإزالة العقبات التي تقف في طريق تدفق الاستثمارات البينية العربية وتسهيل انتقال رجال الأعمال والمستثمرين، المواطن العربي يريد أن تتوسع الطبقة المتوسطة التي تزداد انكماشاً وتقلصاً يوماً بعد يوم. المواطن العربي يريد المشاركة في جهود التنمية المستدامة، وتعزيز قدراته وتوفير البيئة الداعمة لتمكينه من خلال التعليم والتدريب.
ويظل السؤال المهم: كيف يمكن تطويع ثقافتنا وترويض واقعنا لتفعيل هذه القرارات بجدية وإيجابية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي