إذا «غيرت».. فلا تقنع بما دون النجوم!

كان واقفا على ''مفترق طرق''، إما أن يقبل الفرصة الجديدة أو يرفضها، إذ لم يهن عليه أن يتخلى عن ''الموارد البشرية'' بعد 18 عاما من الخبرة، وينتقل للعمل في مجال ''المبيعات''، حتى لو كان العرض الذي قدمته له الشركة منصبا قياديا وبمزايا مالية مغرية، فهل يفعلها ويقدم على تغيير مساره المهني أم لا؟
وقبل تقديم المشورة لصديقنا، طرحت عليه عدة أسئلة لاستكشاف الدوافع الحقيقية لهذا التغيير المهني، فهناك مجموعة من الأسباب تدعو الأفراد - طوعا أو كراهية - إلى تغيير مسارهم المهني، ومنها هذه الأسباب:
- المهنية: شعور الموظف بالملل من ممارسة عمله الحالي وتوقف منحنى التعلم عنده أو قلة فرص الترقي الوظيفي المتاحة في المهنة الحالية.
- الإدارية: الاستغناء عن خدمات الموظف إما لتدني أدائه أو ضعف مؤهلاته مع عدم استعداد جهة العمل للاستثمار في تأهيله من جديد لتدني عائد الاستثمار.
- الاقتصادية: حاجة الموظف إلى الوفاء بالالتزامات المالية وكسب المزيد من الدخل.
- التقنية: قدم آلات الإنتاج والتشغيل وعدم رغبة الفرد في مواكبة التقنية والتدرب من جديد.
- الاجتماعية: تغير ظروف الفرد كتعرضه لإصابة أو انتقاله للإقامة في مدينة أخرى أو حاجة الموظفة إلى رعاية أطفالها.
- الصحية/النفسية: الرغبة في الموازنة بين العمل والحياة أو التخلص من ضغوط العمل.
إن تغيير المسار المهني يشبه لحظة قرارك النزول من رحلة، والالتحاق برحلة جديدة، فقد تكون متخصصا في اللغة الإنجليزية وتتجه إلى الموارد البشرية، وقد تكون تربويا وتتجه إلى التسويق، لا ضير في ذلك طالما أنك تملك الأدوات اللازمة -القدرة والرغبة - التي تحميك من مخاطر التغيير المهني.
لكن من المهم التفريق بين الوظيفة والمهنة، فالوظيفة (job) هي مجموعة من المهام تؤديها ضمن مهنة، أما المهنة (career) فإنها نوع العمل الذي تمارسه ضمن مجال أكبر، فانتقالك من وظيفة ''محاسب'' إلى وظيفة ''محاسب أول'' يعتبر تغييرا وظيفيا، أما انتقالك من العمل في وظيفة ''محاسب'' إلى العمل في وظيفة ''مذيع تلفزيوني''، فهذا يعد تغييرا مهنيا، وهو ما نرمي إليه هنا في هذا المقال.
ومع الإيضاح السابق، فهناك فرق بين تغيير المسار المهني وبين ''النطنطة بين الوظائف'' (job-hopping)، والأخيرة تعني ميل الفرد إلى تغيير وظيفته باستمرار، وهذا مؤشر سلبي يعكس عدم قدرته على الاستقرار الوظيفي والتكيف مع بيئة العمل (أشهرا معدودة بين كل وظيفة)، والمشكلة أن الموظف - لقلة خبرته - لا يدرك أن هذه الوثبات بين وظيفة وأخرى، تشكل نقطة ضعف في سيرته الذاتية، قد تقلل من فرصه في الحصول على عمل في المستقبل.
ومن خلال بحثي لم أعثر على إحصائيات حول حالات التغيير المهني في السعودية أو العالم العربي (وهذا أمر مألوف!)، باستثناء الاستطلاع الذي أجراه موقع التوظيف ''بيت.كوم'' في كانون الأول (ديسمبر) 2012، حيث كشف أن أكثر من 65.3 في المائة من موظفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ينوون التغيير والحصول على وظيفة أفضل خلال عام 2013، لكن لم يتضح من الاستطلاع إن كان ذلك التغيير تغييرا وظيفيا أم تغييرا مهنيا.
غربيا، وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، أشارت ''دائرة إحصائيات العمل'' هناك أن الأمريكيين من الجنسين يغيرون ما معدله 14 وظيفة عند وصولهم إلى سن الأربعين، حيث تمارس معظم هذه الوظائف خلال 19 – 29 عاما، لذا تجد الأمريكي يبدأ حياته ''باريستا'' (عامل تحضير قهوة) ثم ''بائع تجزئة''، ثم ينتقل فيعمل ''ساعي بريد'' حتى يستقر في وظيفة ما يظل فيها بقية حياته، وقد لا يتردد من التغيير بعد التقاعد!
هناك حالات تشفع للموظف وتقوي موقفه عند اتخاذ قرار التغيير المهني، منها حصوله على مؤهل علمي جديد (لديه بكالوريوس في اللغة الإنجليزية وحصل على ماجستير في الإعلام)، أو حصوله على شهادة مهنية أو تأهيلية في مجال جديد (لديه خبرة في المحاسبة وحصل على شهادة تأهيلية في إدارة الموارد البشرية)، أو تمتعه بقدرات معينة يؤكدها مديروه من خلال تقييم الأداء كالقدرة القيادية أو القدرة على المفاوضات أو إدارة المشروعات، لذا فإن التغيير المهني يتطلب توافر الرغبة والقدرة لدى الموظف المقدم على تلك الخطوة، مع العلم أنه سيمر بثلاث مراحل ضرورية لإحداث ذلك التغيير:
- مرحلة الخوف من المجهول: الإنسان بطبعه يخشى التغيير، لأن التغيير يرتبط بالمجهول، ويحتم عليه ترك المألوف، وتجربة الجديد الذي لا يضمن فيه تحقيق القدر نفسه من النجاح، ونزعتنا إلى المجازفة تقل مع تقدمنا في العمر، فأي قرار بتغيير المسار المهني سينطوي بنوع من الخوف، لذا ننصح الموظف أو الموظفة بتدوين كل المخاوف التي تساوره عند اتخاذ قرار التغيير المهني، فبعض هذه المخاوف قد يكون مبررا، وبعضها قد يكون مبالغا فيه.
- مرحلة كسر حاجز الخوف: على الموظف أن يضع حلولا يعالج بها قائمة المخاوف التي سردها في المرحلة الأولى، ومن ذلك سعيه إلى تكوين علاقات جديدة في المهنة الجديدة، والبحث عن ''مرشد مهني'' .. صديق أو زميل يثق به ولديه خبرة واسعة في مجال العمل الجديد، فوجوده يساعد على إسداء النصائح والإرشادات التي تختصر على الموظف الزمن وتجنبه الوقوع في الأخطاء قدر الأمكان، إضافة إلى ذلك، يفضل أن يقوم الموظف بإيراد الفرص التي ستتحقق له فيما لو قام بتغيير مساره المهني، فكل ذلك ''التدوين'' يعزز الطمأنينة في نفسه، لأنه يساعد على تبديد المجهول باليقين.
- مرحلة التهيئة: عند انخراطك في المهنة الجديدة، كن ''مرنا'' في تعاملك، ''متفتحا'' في تفكيرك، ''جسورا'' في قراراتك، كرر السؤال التالي: ما أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي (أي بعد قيامك بالتغيير المهني)؟ الخوف من الفشل؟ كثف من جهودك في تعلم أساسيات المهنة الجديدة، اختصر الزمن بالقراءة، والنهل من معين المتخصصين، وضع في بالك اعتبار أن خطوة ''التغيير المهني'' هي مجرد تجربة في حياتك - مثلها مثل تجربة السفر إلى بلد جديد - قد تصيب وقد تخيب، فإن أصابت فأنت أمام تجربة ناجحة تضاف إلى مسيرتك العملية، وإن خابت، فاحفظ لنفسك ''خط رجعة'' يعيدك إلى مهنتك السابقة (ويا دار ما دخلك شر!).
بعد أن سمعت إجابات كاملة من صديقنا العزيز، أكدت له أنه اتخذ قرارا صائبا في تغيير مساره المهني، وباركت له مقدما بالفرصة الجديدة، متوقعا أن نراه يوما ما ''الرئيس التنفيذي'' في تلك الشركة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي