القاصرات والجلاد

جاء تصريح الدكتور بندر العيبان رئيس هيئة حقوق الإنسان هذا الأسبوع قوياً وواضحاً؛ فهو شَبّه تزويج الفتاة في سن صغيرة بالبيع والتجارة، فيصبح المال في نظر الولي هدفا ينسيه فهم حقيقة وخطورة وأبعاد مثل هذا الزواج غير المتكافئ.
جهود الهيئة ما زالت خجولة لحل قضايا تزويج القاصرات، من المهم التدخل السريع قبل وقوع الفاس في الراس. الجلاد حول طفولة فتاة صغيرة إلى خريف بارد، قبل أن يكتمل إدراكها النفسي والصحي والاجتماعي بالمسؤولية التي تلقى على عاتقها. ''ربيع الشياب'' لا يعترف بما أفتى به علماء الطب عن التغيرات الهرمونية الأنثوية ونمو الثدي والعظام وأن نمو حجم الرحم يستغرق من خمسة إلى ستة أعوام بعد سن البلوغ. أيها الشايب المراهق، نمو الفتاة لا يكتمل إلا بعد بلوغها 18 ربيعاً فلماذا تقتل بيديك طفولتها البريئة؟
تعددت الأسباب والمصيبة واحدة؛ هناك من يلوم قلة الوعي وعدم تمييز الأمور أو طمع الأب والحاجة المادية ولكن في نهاية الأمر تزويج القاصرات يعتبر جريمة بحق براعم الياسمين لأن الدراسات الطبية والنفسية والاجتماعية أثبتت خطورة تزويج الفتاة في سن صغيرة. ألا يعلم هذا الجلاد أن الفتاة ذات الـ 14 عاماً تحتاج إلى الكثير من التوجيه والنصح في مسار حياتها قبل أن يختلي بها ليحطم ما تبقى من أنوثتها؟ ألا يحرك هذا أي مشاعر إنسانية داخل الشهواني المتحمس للمتعة؟
الفتاة في عمر الـ 16 لم تنضج جسدياً أو نفسياً أو جنسياً، ومع ذلك يتمادى الجلادون في تجاوزاتهم حتى استغل بعضهم سلطة الولي في الحديث الشريف ''لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل''. نسى هؤلاء الشياب أن هذا الحديث لا يجيز لهم الاقتران بقاصر لمجرد أن وليها سمح باقتراف جريمة في حق ابنته وحق المجتمع.
هل يعلم هؤلاء أننا نضرب بعرض الحائط الاتفاقيات الدولية التي التزمنا بها لحماية حقوق الطفل وحقوق الإنسان؟ لعلي أذكركم أن ديننا الحنيف – قبل كل هذه الاتفاقيات – حثنا على الرحمة والإنسانية. هل يجب أن تدفع الفتاة القاصر حياتها ثمناً لمن ليس لديهم وازع قانوني أو أخلاقي أو ديني؟
''صفقات'' ربيع الشياب تتنافى كلياً مع جميع الدراسات الطبية التي أكدت أن الحمل في سن مبكرة دون سن الـ18 من العمر يصاحبه العديد من المشاكل الطبية على الأم والجنين على حد سواء. من يحمي الطفلة القاصر من الضغوط الجسدية والعقلية والنفسية وارتفاع نسبة إصابتها بفقر الدم المزمن بعد دفعها عنوة إلى زنزانة الجلاد؟
مجلس الشورى أدلى بدلوه ورفع بتوصية لوضع تنظيم وضوابط تحد من زواج القاصرات، وإلزام مأذوني الأنكحة بتنفيذها. التوصية نجحت بتأييد 77 عضواً في مقابل معارضتها من قبل 35 عضواً. لا أريد الخوض في تبريرات المعارضين أو هويتهم أو خلفياتهم الفكرية، فالمجلس قد أعيد تشكيله بدخول 30 سيدة لن يصمتن كثيرا على انتهاك حقوق المرأة والطفل. الحاجة إلى تفعيل هذه التوصية ملحة جداً وتوجب سرعة البت فيها وتطبيقها على أرض الواقع. لا يجوز أن يصبح الزواج من القاصرات أمراً طبيعياً، دون الالتفات إلى نتائجة الخطيرة وعواقبه الوخيمة.
أتفهم اختلاف الفقهاء في الرأي والتحليل، لكن أن تصدر فتوى من أحد العلماء أن تزويج القاصر التي لم تصل إلى مرحلة البلوغ من كفء، ''سائغ بإجماع الفقهاء'' فهذا أمر يستلزم وقفة جدية. لا أتفق مع الشيخ الفاضل أن الكتابة والحديث عن زواج القاصرات يعتبر تدخلاً في الأحكام الشرعية، أو أنه عمل يُخاف من عواقبه على المجتمع. أعتقد أن هذا الأمر شأن اجتماعي عام ولا مخالفة شرعية في مناقشة سلبياته.
أذكر الشيخ الفاضل أنه ربما لم يكن يعلم أن أثناء إصداره تلك الفتوى كانت هناك فتاة كغصن الياسمين ترتجف في حجرتها المظلمة تخوفاً ممن سينتزع ما تبقى من أنوثتها وهي لا حول لها ولا قوة دون أن يثير البهجة في ذاتها. هذا هو بطش الجلادين.
هل يعلم المعارضون لتحديد سن للزواج أنهم ربما أباحوا ارتكاب جريمة في حق الفتيات، وأنهم أباحوا للأب المتاجرة بجسد ابنته من أجل علبة حلوى أو بضعة دراهم؟ التبرير السائد هو أن هذ الأمر تحكمه الاعتبارات الاجتماعية والتقاليد والأعراف، وكأن التقاليد والأعراف حلت محل الأنظمة والقوانين والشريعة السمحة. النتيجة المفزعة هي حرمان فتاة صغيرة من أن تعيش مرحلة طفولتها، بل ربما لا يأتي الصباح إلا بعد تمزق مهبلها والأعضاء المجاورة له من آثار هذه الجريمة الشنعاء.
تكررت تصريحات المسؤولين التي تؤكد مرة تلو الأخرى ضرورة التنسيق مع جهات الاختصاص لبحث آلية تحديد سن ملائمة للزواج بما يكفل مصلحة الفتاة. لكن التصريحات وحدها لا تكفي، على الفقهاء والعلماء توعية أولياء اﻷمور بعواقب تزويج بناتهم في عمر مبكر. كذلك فإن عقد المؤتمرات البحثية والمنتديات التوعوية للخروج برؤية واضحة بادرة جيدة لكنها لا تكفي، فالوضع في حاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة لوقف هذه الظاهرة الخطيرة.
حان الوقت يا سادة لإيقاف هذا التجاوز اللاإنساني ولرفع الظلم عن القاصرات...لا يجب السماح للجلاد باختطاف طفولة بريئة... فهي أسمى وأبدع ثمرات الإنسانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي