من هي الرؤوس الكبيرة؟
أسعدني جداً تلقي مكالمة هاتفية كريمة من المهندس عبد العزيز البسام، رئيس بلدية عنيزة تعقيباً على مقالي ''هدنة بين هيئة مكافحة الفساد وبلدية عنيزة'' والذي أشرتُ فيه إلى التراشق الإعلامي بين الهيئة والبلدية. هيئة مكافحة الفساد أعلنت عن اكتشاف ممارسات تلاعب من بعض موظفي بلدية عنيزة، بينما أصرت البلدية على موقفها أن عمل الهيئة ''مجرد إحالة القضايا إلى الجهات المعنية وأنها لا تملك إصدار قرار كفّ يد أو عقاب أي موظف''.
أتمنى أن تستمر الهيئة في تحقيقاتها وأن يتمكن المهندس البسام من القضاء على الفساد في إدارته إن صحت الرواية.
في موضوع ذي صلة، أثار انتباهي هذا الأسبوع تصريحان مهمان لرئيس هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) محمد الشريف في برنامج تلفزيوني سعودي. التصريح الأول أكد فيه الشريف أن ''الهيئة'' لا تقبل التصعيد الإعلامي مع الجهات الحكومية، وأن هدفها من نشر البيانات الصحافية ليس للانتقاد أو للإساءة إلى أي جهة حكومية، وإنما كشف أوجه القصور وتبيان المخالفات.
معالي رئيس الهيئة، الشهر القادم يمر عامان على إنشاء هيئة مكافحة الفساد، وأشد على يدكم لدعوتكم هذا الأسبوع النشطاء للتعاون والتقدم بطلبات إنشاء مؤسسات مجتمع مدني لمحاربة الفساد. هذه بادرة جيدة ويسعدني أن أكون أول المتقدمين لها.
عجزنا ونحن نندد بتنامي ظاهرة الفساد بما فيها جرائم الرشوة والمتاجرة بالنفوذ، إساءة استعمال السلطة، الانتفاع عن طريق استغلال الوظيفة، الإثراء غير المشروع، التلاعب بالمال العام واختلاسه أو تبديده أو إساءة استعماله، وغسيل الأموال. سيول جدة وتبوك مثالان حيان يحتذى بهما.
لا يكاد يمر يوم إلا ونقرأ عن الفساد في مختلف أنحاء الوطن. من المصابين الملقين على الأرض في قسم الإسعاف في مستشفى صبيا العام، إلى الإهمال والتجاوزات في مستشفى النقاهة في الرياض، مروراً بشكوى أهالي خميس مشيط من عدم التزام المتعهد بإيصال كميات المياه إلى كافة القرى والتي تبلغ أكثر من (50) قرية!
قرأنا أرقاماً وإحصائيات مزعجة عن تقاعس بعض المقاولين عن تنفيذ المشاريع. الحل بيد هيئة مكافحة الفساد، وهو أن تحيل الهيئة هذا الأمر إلى هيئة الرقابة والتحقيق لمساءلة المقاولين وتطبيق الجزاءات المنصوصة في العقود. هذا ليس كل شىء، فقد حَصَرتْ الهيئة ثلاثة آلاف مشروع متعثر في عموم المناطق منذ بدء مهماتها، وأصبح لزاماً على المقاولين إصلاح الخلل والقصور في تلك المشاريع من حسابات المقاولين أنفسهم. بمعنى آخر يا معالي رئيس الهيئة لا تخلِ الدرعا ترعى.
أما التصريح الثاني والأهم من رئيس هيئة مكافحة الفساد فهو أن الهيئة ''تمتلك معلومات عن فساد رؤوس كبيرة، إلا أنها لا تمتلك أي أدلة تطيح بتلك الرؤوس''. هذا تصريح مهم وله دلالات خطيرة ولا يندرج تحت بند '' خذ من ذا وشك بعود''. لكني كنت آمل أن يكمل رئيس الهيئة تصريحه بالتأكيد على ضرورة الاستمرار في التحقيق تفعيلاً لأهداف الهيئة بالتحري عن أوجه الفساد بعيداً عن الواسطة والمحسوبيات في أي مكان ولأي منصب كان.
جهود هيئة مكافحة الفساد جيدة وعز الله شغلهم متعوب عليه، ولكنها لا تتعدى التصريحات الإعلامية، لذلك من حق المواطن والدولة أن تتابع ''الهيئة'' تحرياتها والبحث عن خيوط هذه الأدلة.
لمعالي رئيس الهيئة أقول، ليس من مصلحة الوطن أن تظل الأمور ملبدة.. صرحت في 25 سبتمبر 2012 أن ''إقرار الذمة المالية سيشمل الوزراء ونوابهم وكل من هو في منصب قيادي وأنه ستتم محاسبة الجميع دون استثناء وإن كان من الأسرة الحاكمة''..الرؤوس الكبيرة التي ألمحت إليها هذا الأسبوع ليس لها قدسية خاصة، نحن بانتظار نتائج التحقيقات.