«معلمو التربية» .. هل بالضرورة أن يكونوا «موظفين حكوميين»؟

هل تتخيلون ضخامة حجم ''وزارة التربية والتعليم'' من حيث عدد منسوبيها؟
الوزارة تعد أكبر ''جهة عمل'' في السعودية، حيث يعمل فيها 700 ألف موظف، 75 في المائة منهم شاغلو وظائف تعليمية، و25 في المائة منهم شاغلو وظائف إدارية، ويمثل منسوبو الوزارة ما نسبته 65 في المائة من إجمالي موظفي الحكومة (المدنيين) البالغ عددهم 1,069,322 موظفا وموظفة.
تخيلوا - مرة أخرى - لو استطعنا أن نفكر بـ''حلول إبداعية'' ُتكسب ''وزارة التربية والتعليم'' الرشاقة الإدارية، وتحفظ حقوق المعلمين والمعلمات، وتخدمهم بمستوى أفضل وأسرع من المستوى الذي تقدمه الوزارة حاليا.. هل تتخيلون إمكانية إيجاد مثل هذه الحلول؟
في نهاية عام 2012، كشف الدكتور خالد السبتي نائب وزير التربية والتعليم السعودي، في اجتماع له مع القيادات التعليمية عن معاناة وزارته مع ''مقاومي التغيير'' من داخل الوزارة، لافتاً إلى أن هناك مَن ينظر إلى الوزارة بوصفها جهة توظيف وإغفال كونها جهة تعليمية أساس نجاحها المعلم الكفء والمتميّز، وطرح نائب الوزير في اجتماعه عددا من التحديات التي تواجه الوزارة، كبطء اتخاذ القرارات والإجراءات الحكومية، و''ضخامة'' حجم الوزارة (700 ألف موظف)، مبينا توجه الوزارة لإعادة هيكلة قطاع التعليم العام، ليصبح لا مركزيا ونشطا ومنظما من خلال منظومة تكاملية يتضح فيها الدور التشريعي، والتخطيطي، والتنظيمي، والتنفيذي، والرقابي.
والحقيقة أنني متعاطف كثيرا مع وزارة التربية والتعليم في مساعيها الحثيثة نحو التغيير وإعادة هيكلة التعليم العام، تلك المساعي التي يقودها وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبد الله، فالتغيير الذي تحتاج إليه الوزارة لا يتطلب صدامات إدارية وتنظيمية مع مقاومي التغيير، إنما يستلزم أحيانا مواجهات فكرية، بين تيار متواكب مع الزمن وتيار يعيش بلا زمن!
فمنظومتنا التعليمية المتهالكة هي المتسببة في خلق أزمة البطالة التي نعاني منها منذ سنوات، والمحصلة: مخرجات التعليم العام .. شباب عاطلون أمام عتبة سوق العمل، أكثريتهم لا يتمتعون باللباقة، أو يجيدون اللغة الإنجليزية، أو الرياضيات، أو إعداد التقارير، أو إدارة المشروعات، أو العمل الجماعي، أو حتى مجرد النقاش، بل إنهم لا يجيدون حتى كتابة جملة عربية واحدة دون أن يخطئوا إملائيا أو نحويا!
كلنا لا يختلف في أن وزارة التربية والتعليم وزارة ضخمة من حيث عدد الموظفين (معلمين أو إداريين)، وضخامتها هذه جنت عليها، وجعلتها كيانا بطيئا في حركته وقدرته على اتخاذ القرارات واستجابته للمتغيرات من حولها، لكن لكل مشكلة في هذه الدنيا حل، وهذا الحل قد لا نراه إذا كنا نفكر بطريقة تقليدية أو نمطية، أننا لا نراه إلا إذا فكرنا خارج الصندوق كما يقال (think out of the box).
والحل من وجهة نظري، يتمثل في مقترح ''لإعادة هيكلة الموارد البشرية'' في الوزارة، وأتقدم بطرح هذا المقترح لوزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبد الله، ووزير المالية الدكتور إبراهيم العساف، ووزير الخدمة المدنية الدكتور عبد الرحمن البراك، إذ بما أن الحكومة السعودية قد أسست شركة ''تطوير التعليم'' القابضة (نوفمبر 2008) التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة، ومكلفة بتنفيذ ''مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام''، وبما أن هذه الشركة القابضة، قد أسست ثلاث شركات تابعة لها (شركة ''تطوير'' للخدمات التعليمية، وشركة ''تطوير'' لخدمات النقل التعليمي، وشركة ''تطوير'' لإدارة مشروعات المباني التعليمية)، فإننا نقترح إنشاء شركة تابعة ''رابعة''، هي: شركة ''تطوير'' للموارد البشرية، تتولى توظيف المعلمين والمعلمات (التابعين للوزارة)، وإتمام حركة النقل الخاصة بهم، وتسيير كل شؤونهم من صرف رواتبهم، إلى توفير المنافع والتأمين الطبي، إلى تقييم أدائهم وتحفيزهم، وتوفير كافة برامج التدريب والتطوير الوظيفي الخاصة بهم.
فعندما توافق الحكومة السعودية على إنشاء شركة ''تطوير'' للموارد البشرية، سيتم نقل المعلمين والمعلمات من كادر وزارة التربية والتعليم إلى كادر الشركة الناشئة، أي نقل 525 ألف تربوي وتربوية (75 في المائة من موظفي الوزارة)، وستحقق هذه الخطوة (إعادة هيكلة الموارد البشرية) عددا من المزايا، نذكر منها:
- تخفيف الأعباء الإدارية على كواهل وزارة التربية والتعليم، ووزارة المالية، ووزارة الخدمة المدنية المرتبطة في متابعة شؤون أكثر من نصف مليون معلم ومعلمة بدءا من التعيين إلى الإحالة إلى التقاعد.
- إكساب وزارة التربية والتعليم الرشاقة الإدارية، وتخفيض عدد موظفيها من 700 ألف إلى 175 ألف موظف (وربما أقل)، وبالتالي مساعدتها للتركيز والإشراف على سير العملية التعليمية بدلا من أن تنشغل في أزمة توظيف المعلمين ونقلهم، فنائب وزير التربية والتعليم أعترف أن هناك من ينظر إلى وزارته على أنها ''جهة توظيف'' وليست ''جهة تعليمية''!
- تسهيل حركة تنقل المعلمين والمعلمات السعوديين من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص والعكس، فمعلمي الوزارة حاليا يخضعون لنظام التقاعد المدني، وانتقالهم للعمل تحت مظلة الشركة الجديدة، سيحتم خضوعهم لنظام التأمينات الاجتماعية، كما أن هذا قد يؤدي إلى احتدام المنافسة بين مدارس التعليم العام والخاص على استقطاب المعلمين المتميزين.
- الاستغناء عن سلم رواتب الوظائف التعليمية المؤلف من 25 درجة، وتكليف الشركة باستحداث سلم رواتب خاص بها، يتواكب مع كفاءة المعلمين ومتطلبات سوق العمل، وُيعزز بحزمة بدلات، من ضمنها بدل السكن.
- الشركة ستعامل المعلم والمعلمة على أنه ''عميل داخلي'' يستحق الخدمة بمستوى عال من الجودة والسرعة، وستسعى إلى إدارة أولئك المعلمين والمعلمات بطريقة تتماشى مع أحدث أساليب وممارسات إدارة الموارد البشرية، ومن ذلك إدارة ورعاية المواهب التربوية والإدارية، وتبني نماذج الجدارات للمعلمين، وطرح برامج للتطوير الإداري والتعاقب القيادي، إضافة إلى توفير التعويضات والمنافع كالتأمين الطبي وغيره لهم ولأفراد أسرهم، فكلما زاد اهتمامنا بالمعلم، زاد اهتمام المعلم بالطالب وبالعملية التعليمية إجمالا، وتذكروا أن ''امبراطور اليابان'' سئل ذات مرة عن سر تقدم دولته، فقال: ''بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلّمنا من أخطائهم، وأعطينا المعلّم حصانة الدبلوماسي، وراتب الوزير''.
ومع توافر هذه المزايا الخمس، ستواجه متخذي القرار عدد من التحديات عند إنشاء هذه الشركة المقترحة - وهذا شيء متوقع من أية عملية تغيير – إذ تأتي في طليعة هذه التحديات كيفية معالجة ''الوضع التقاعدي'' للمعلمين والمعلمات، فالهجرة الجماعية المتمثلة في إنتقال أكثر من ''نصف مليون'' موظف حكومي خاضعين لنظام التقاعد المدني إلى شركة ''تطوير'' للموارد البشرية ليخضعوا لنظام التأمينات الاجتماعية لن تكون عملية سهلة للأطراف المعنية، لذا نأمل أن ُتعالج هذه المشكلة كما عولجت المشكلة ذاتها في حالتي ''شركة الاتصالات'' و''الخطوط السعودية''، أي بما يحفظ حقوق المعلمين والمعلمات بعد كل هذه السنوات التي أفنوها في حقل التعليم، فليس من المعقول أن يبدأوا الخدمة في ظل نظام التأمينات الاجتماعية من الصفر!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي