التنمية التي أتمناها .. أيضا

مع أنني حرصت على أن أوضح وجهة نظري في التنمية التي أراها محققة للكثير من طموحات القيادة ورغبات المواطنين وقدرات مختلف قطاعات الدولة وعلى رأسها القطاع الحكومي إلا أن المقالين السابقين فتحا باب النقاش والمداخلات والملاحظات عليهما وكثرة الاستفسارات التي ترغب في إلقاء الضوء على أهم النقاط التي تمت الإشارة إليها حول بعض البرامج التنموية الرعوية التي تنتهجها الحكومة ولم تحقق كمال الهدف المرجو تحقيقه في نظر قيادة هذا الوطن الغالي مع أن العمر التنموي في المملكة تجاوز 50 عاما في كثير من المجالات، وخصوصا ما يتعلق بمتطلبات المواطن القادر وغير القادر.
إن برنامج التنمية الرعوية الذي تم الأخذ به من خلال مسار واحد أو ما نسميه اتجاها واحدا، وهو قيام الحكومة بتبني الكثير من البرامج الاجتماعية التي يغلب على أكثرها ما نسميه نظام القص واللزق، وهو استيراد تجارب عالمية، خصوصا تجارب الدول الغربية في الرعاية الاجتماعية، التي تقوم على مفاهيم لا تتفق ومنهجنا الديني ولا قيمنا الاجتماعية, وأصبح هذا النقل ذا بعد أشمل بحيث انتقل إلى العديد من برامجنا التي يفترض فيها القدرة على تحقيق التطوير والتكامل من قيمنا الدينية والاجتماعية، وعلى سبيل المثال, الضمان الاجتماعي جاء كنظام بهدف تصحيح ودعم وضع الأسر المحتاجة وتقديم الدعم لها ومساعدتها حتى تساعد نفسها، إلا أن هذا النظام تحول مع الوقت إلى برنامج آلي يهدف إلى تقديم مبلغ مقطوع للأسرة, هذا المبلغ لم يساعد الأسرة على الاستغناء عن الحاجة فأصبح عبئا ماليا على الحكومة ومحرجا للكثير من الأسر أن تطلب العون وهي تأخذه من الحكومة بينما كان الأساس في برنامج الضمان الاجتماعي وأيضا الرعاية الاجتماعية مساعدة الأسر على مساعدة أنفسها من خلال الانتقال بها إلى أسر منتجة، وكما قال بعض المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية في حقبات مختلفة من عمر الوزارة أنها تعمل على الانتقال بالأسرة من باحثة عن فرصة عمل إلى موجودة لغرض العمل، أو بلغة أخرى من مستلمة زكاة إلى دافعة للزكاة، ومع هذا الهدف النبيل إلا أن الوضع يستمر في التدهور وازدياد الأسر المحتاجة سواء احتياجا حقيقيا أو وهميا.
الأمر الآخر هو ما يسمى مشروع السعودة المبني على رؤية جيدة وتنفيذ سيئ نظرا لطغيان العاطفة التنموية الرعوية على النظرة التنموية المستدامة الاقتصادية، وهذا عبئه على الحكومة فقط وأصبح القطاع الآخر وهو الخاص قطاعا محاربا لهذا التوجه نتيجة أثره السلبي في القطاع، ومع أن مشروع السعودة قديم نسبيا إلا أن نتائجه لم تكن كما ينبغي وما زال! وما زاد الأمور تعقيدا في مفهوم التنمية الرعوية هو التحول إلى نظام حافز الذي تسبب بدون قصد - كما أعتقد - في تعميم مشكلة البطالة المقنعة بحيث وجد العديد من مستفيدي حافز الفرصة في المزيد من البطالة وتسلم الراتب مع القناعة بعدم قدرة الحكومة على إلغائه اعتمادا على أنهم كعاطلين عن العمل يملكون القدرة على الضغط على الحكومة ومنعها من إلغائه وهو عبء إضافي على المستويات الحكومية تحت مظلة التنمية الرعوية.
كما أشرت في مقالات سابقة أن من المؤشرات السلبية للتنمية الرعوية رعاية ونقل تجارب دولية، خصوصا الدول الغربية فيما يتعلق برعاية الأيتام والمعوقين وكبار السن والفتيات ودور الأحداث، وهذه كلها بدأت بفكر خلاق إلا أن النقل الحرفي لهذه التجارب جعلها تستمر بالنظرة الغربية نفسها لها من حيث إنشاء دور للإقامة وليس الرعاية النهارية فقط، وفي الغرب جاءت الفكرة كعنصر استثماري بسبب ضعف الروابط الأسرية ورغبة الأسر في التخلص من أطفالهم المعوقين وكبار السن والمرضى وغيرهم من الفئات التي تعوق الفكر المادي الذي تعزز في الفكر والمؤسسة الغربية، وكل هذه البرامج تعتمد على مصدرين أساسيين هما الضرائب التي يتم أخذها من المواطنين وما يدفعه أولياء هؤلاء المحتاجين من رسوم لمختلف دور الرعاية حسب الاحتياج والظروف، مع أن كل هذه الدور تخالف منهجنا الإسلامي المبني على أهمية الرعاية الأسرية لكل فئات المجتمع من معوقين إلى مسنين إلى مرضى ... إلخ.
إن ما نحتاج إليه - كما أشرت أكثر من مرة - الانتقال من ثقافة التنمية الرعوية أحادية الاتجاه المعتمدة في كل جهودها على قطاع واحد من قطاعات الدولة وهو القطاع الحكومي، إلى ثقافة وجهد وعمل التنمية المستدامة التي تعتمد بعد توفيق الله سبحانه وتعالى على الإنتاج المستدام للموارد البشرية والطبيعية المنطلقة من رؤية تنموية شاملة ترسمها الدولة لجميع قطاعاتها الحكومية والخاصة والأهلية والأكاديمية والإعلامية، ويكون المواطن الصالح المنتج هو محورها وهدفها وشريكها بكامل الشراكة ذات البعد من المسؤوليات والواجبات وهو ما نحن - بإذن الله - قادرون عليه بما نملكه من رغبة صادقة من قيادة الوطن ووجود الكفاءات السعودية المؤمنة بقدراتها وقدرات مختلف مواطني المملكة وإمكاناتها الطبيعية وعلاقاتها الدولية.
وفق الله الجميع من أجل تحقيق وطن سعودي الانتماء, عربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح.

وقفة تأمل

«عَـجِبتُ لِـمَن لَـهُ قَدٌّ وَحَدٌّ
وَيَـنبو نَـبوَةَ الـقَضِمِ الكَهامِ
وَمَـن يَجِدُ الطَريقَ إِلى المَعالي
فَـلا يَـذَرُ الـمَطِيَّ بِلا سَنامِ
وَلَـم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً
كَـنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ »

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي