أسوار من اليأس

إنها كلمة بغيضة إلى النفس تشعرنا بحالة من الضعف والعجز , وإن القلب لينقبض على نفسه من تلك الكلمة الموحشة. اليأس يجعلنا نشعر بأننا كالطائر الجريح ينظر الى السماء , أو كالسابح في البحر بلا شاطئ يرجوه .

اليأس يشعرنا بالوحدة , وهو يتسلل إلينا خلسة حتى إذا تمكن منا عشعشت فينا روح الإحباط والهموم . ولعل هذا الشعور هو سم قاتل بطئ ليس للأفراد فقط بل حتى الشعوب.

ما اليأس إلا سجن أسواره جدران عالية بنيناها بأنفسنا و قد ندعي أننا لا نستطيع تسلقها , ولكننا في الواقع نستطيع أن نهدمها ! . ويظل السؤال الذي يقظ مضاجعنا , كيف السبيل إلى هدم وتحطيم هذ الأسوار الشاهقة.

السبيل إلى ذلك يكون بعدة طرق , أولا أن نسلم بأن هذا الشعور الذي يصحبنا من ضيق وحزن في حال اليأس هو أمر طبيعي من طبائع البشر. ولكنه من غير الطبيعي أن نستسلم له , وأن نجعله يستشري في أجسادنا أو في جسد الأمة حتى يكبل أفكارنا و أرواحنا بالأغلال . بل على العكس من ذلك لابد أن نكون على يقين وإيمان داخلي بأنها مرحلة مؤقتة , وأن التغيير إلى الأفضل قادم . وقد ظلت القدس ترفس في أغلالها تسعين سنة كاللبوة الأبية حتى جاءها البطل صلاح فحررها من أغلالها , وقد جاء في الحديث " ولكنكم تستعجلون ".

ثانيا النظر والتأمل في التاريخ سواء على المستوى الفردي أو الأممي فذلك من أنجع السبل للقضاء على روح اليأس. التاريخ دائما يعلمنا ويخبرنا عن قصص كثيرة , ومشاهد مكررة يعيد التاريخ فيها نفسه . وكم رأينا أن الفرج يأتي بعد الضيق , وأن كثيرا من المواقف والأزمات الفردية والأممية يطلع إلينا نور الأمل وهاجا ليغيير الواقع المرير إلى سعادة وبهجة . ولنتأمل كيف كان حال العرب في الجاهلية وكيف سادوا بعد ذلك بنور الاسلام . وانظر إلى هوان اليابان كيف كانت بعد الهزيمة وكيف أصبحت اليوم , وغيرها كثير من العبر والقصص لمن كان له قلب وعقل ينبض .

ثالثا لابد من بذل الأسباب الحسية والمعنوية وذلك الذي يدل عليه العقل والمنطق . فلا يمكننا أن نخرج من حالة اليأس إلى التفاؤل بمجرد الكلام والتصريحات. بل لابد من البذل والمحاولة, ولذلك قال يعقوب عليه السلام لأبنائه " يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ " يعني لا تقفوا مكتوفي الأيدي , بل لابد من العمل والبحث , ثم أردفها بعد ذلك بقوله " وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ".

اليأس أسوار معنوية بنيناها نعتذر بها لأنفسنا عن الحَرَاك

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي