الأخطاء المهنية وغياب فكرة الإخلال بالأمانة
الحقوق والواجبات هما المعادلة التي ما زالت صعبة الحل، والتعامل مع بعض الفئات داخل المجتمع، فمنذ صغر الفرد ومنذ بداية عملية التربية قد لا تبالي بعض الأسر بتعليم أبنائها معنى الحقوق والواجبات، وعلى الرغم من أن ديننا الحنيف جاء بكل ما من شأنه أن يحمل تلك المفاهيم ليس في العبادات فحسب، بل كان تفصيل ذلك أيضا في التعامل مع البشر من حولنا، إلا أن هناك من ينحي هذا الجانب من سلوكه ومن تصرفاته، بل يسقطه من تفكيره أيضاً، وهذا في الواقع هي تعبير عن متغيرات داخلية نفسية لا تكتب على الورق، وقد لا تضبطها العقوبات، لكن العقوبة الذاتية الوحيدة لها هي ما يسمّى تأنيب الضمير، هذا من جانب نفسي.. فكم هو الحديث الإعلامي المتنوّع عن الأخطاء الطبية التي أصبحت حديث المجتمع بأشكالها وألوانها المريرة، ومعاناة الناس منها، والخوف وفقدان الثقة بالأطباء والجهات الصحية العلاجية، حيث إن هناك بعضاً من الأخطاء التافهة والبسيطة التي أودت بحياة بعض المرضى، قد كانت بسبب عدم الشعور الحقيقي بحق المريض، ببذل أقصى ما يمكن لتحقيق السلامة له، كما حدث في قصة الطفلة (رهام) أو الضحية الأخرى (أبرار) اللتين كانت إصابتهما بالإيدز بسبب عدم التزام المسؤولين هناك بالواجب الحقيقي تجاه العمل، ما أدخل إنساناً بريئاً في معاناة قد دفع فيها حياته ثمنا للخطأ دون عودة، بل تختلف الأخطاء في المهن والوظائف حسب الدرجة والنوع، بل لو سلطنا الضوء قليلاً على بعض النماذج في قطاع التعليم فسنجد مثلاً نموذج المعلمة التي لا تتقن ولا تخلص في عملها، ولكن سرعان ما تراها تتبدّل وتغيّر جلدها بمجرد حضور المشرفة التربوية لحصتها، ومثل ذلك النموذج للمعلمة هو من أخطر أنواع الأخطاء في التعليم، حيث تنمي الغش بصورة غير مباشرة وتهدر الأمانة الموكلة إليها عمداً بلا تفكير، بل تتعدد المهن ويختلف الخطأ فيها، فحتى أبسط الوظائف عندما يقوم موظف الاستقبال بإبدال مواعيد المرضى لتقديم موعد لشخص تربطه به علاقة صداقة مثلاً، وتأجيل مَن يستحق الموعد.. كل تلك الأمثلة وإن اختلفت في درجات الخطورة، ولكن كل المهن والوظائف قد يتفاقم الخطأ فيها بسبب عدم إدراك الفرد واجباته المهنية، وبذلك ينتشر الفساد في العمل إذا استمر الأمر بلا عقوبات صارمة توقف مَن لا يستحق العمل عند حده، فهناك من الناس مَن لا يستحق حتى الراتب الذي يتقاضاه لأنه غير مخلص، وقد يغيب عن ذهن البعض أن الفساد لا يبدأ بسرقة الملايين أو اختلاس مبالغ ضخمة فحسب، ولكنه يبدأ بالتهاون النفسي الذاتي بالمسؤولية، وتنحية الإخلاص من العمل.