التنمية بين صيانة الإنسان والمكان
لتحقيق أهداف التنمية وتوجهاتها، وتعزيز مفهوم الاستدامة لها، تستوقفني قضيتان أعتبرهما جزءا مهما من مخرجات التنمية المستدامة وأهدافها، هما توفير التأمين الطبي للمواطن وتوفير الصيانة المستدامة والمستمرة للمباني، سواء الحكومية أو الخاصة، بما فيها المساكن الخاصة؛ ولهذا حاولت الجمع بينهما بمفهوم الصيانة وجعلت العنوان جامعا لصيانة الإنسان والمكان.
إن الناظر اليوم إلى عدد الشركات التي تقدم أو يفترض أنها تقدم التأمين الطبي في السعودية يجدها في ازدياد مستمر، ولا تكاد تمر سنة دون اعتماد إنشاء شركة وتأسيسها أو اثنتين، وأصبح عددها في ازدياد، لكن بركتها الصحية التأمينية لم نر لها أثرا حتى كتابة هذا المقال، والمضحك أن هذه الشركات أصبحت هدفا للمضاربين في سوق الأسهم، فترى الشركة منها اليوم بعشرين ريالا، وخلال فترة زمنية بسيطة تصل إلى أكثر من 200، ثم فترة زمنية أخرى تعود إلى سعرها السابق، والأمثلة هنا كثيرة، والشركة الجديدة القادمة ستكون خير دليل. عودة إلى موضوع التأمين الطبي، أو ما أسميه مجازاَ صيانة الإنسان أو صيانة جسم الإنسان على أساس أن الإنسان يحتاج إلى الصيانة الدورية، أو كما يقول الأطباء إلى الفحص الدوري، ووفقا لما نراه اليوم من مشاكل في الحصول على سرير في مستشفياتنا الحكومية وغياب الأداء المطلوب عن مستشفيات القطاع الخاص، وباعتماد نظام إلزامي للتأمين الطبي ومراقبة أداء المستشفيات سنحقق هدفين ساميين، هما توفير فرص العلاج وقت الحاجة إليه لكل مواطن ومقيم في المملكة، ومن خلال مراكز طبية معترف بها وذات إمكانات طبية تنافس أرقى المستشفيات في العالم، خصوصا مع التطور الكبير في الكفاءات السعودية في مختلف التخصصات الطبية والطبية المساعدة، ونحن هنا نحقق للمواطن متطلبا أساسيا وهو العلاج وفق أعلى المعايير العالمية، وفي الوقت نفسه نرفع الحرج والتعب والجهد عن المؤسسة الحكومية، خصوصا وزارة الصحة، ونعطي الوزارة المساحة الكافية لتطوير الأداء ومراقبته بدل القيام به. ومع التحول للتأمين الطبي، فإن الأمر يتطلب مراقبة صارمة وشفافة لضمان حسن الأداء والجودة وسرعة تقويمه، وبهذا الإجراء وما يتطلبه من تنظيمات نكون حققنا نظاما صحيا أو صيانة لجسد أو جسم الإنسان، وحققنا معه شيئا من الطمأنينة والانتماء إلى وطن يرعاه ويهتم به وبصحته.
في المقابل، هناك حاجة ماسة إلى برنامج صيانة آخر يهتم بمختلف منشآتنا العامة والخاصة؛ لأن من الملاحظ أن أغلبية منشآتنا الحكومية وكل منشآتنا الخاصة، خصوصا مساكننا لا يعمل لها أي عقود صيانة؛ ولهذا عمرها الافتراضي مقارنة بعديد من دول العالم لا يصل لبضع سنوات، وهذا الأمر يعتبر خسارة حقيقية لاستثماراتنا العامة والخاصة، ويلاحظ كثيرون منكم كيف أن مبانينا ومساكننا خلال سنوات بسيطة تصبح غير صالحة للسكن أو تتحول إلى مساكن ومبان مكلفة بسبب عدم صيانتها خلال السنوات الأولى من إنشائها، هذا الأمر يتطلب الإلزام بوجود عقود صيانة حقيقية لكل المنشآت العامة والخاصة؛ حتى نحمي استثماراتنا من أن نفقدها، وهذا الأمر قد يبدو في الوهلة الأولى أنه مكلف، لكن إذا أمعنا النظر فيه فإننا نجد أنه استثمار حقيقي لصيانة استثماراتنا الحقيقية والحفاظ عليها، ويحقق استدامة المنشآت ويحد من كثرة تغيير المساكن والمكاتب كل عدد من السنوات.
إن تبني ثقافة الصيانة للمنشآت وجعلها نظاما إلزاميا سيحقق عديدا من المكتسبات الوطنية والشخصية، فعلى المستوى الوطني حفاظ على المكتسبات الوطنية من المشروعات الجاري تنفيذها ويحقق استمرار استثمارها واستخدامها لأجيال قادمة، ويقلل من الهدد غير المبرر على إعادة ترميمها مستقبلا، هذا للمشروعات العامة وفي الوقت نفسه يحقق الأهداف نفسها للمشروعات الخاصة والمساكن بمختلف أنواعها، وهو ما يحقق أيضا المكاسب الشخصية لملاك تلك المشروعات.
إن إنشاء شركات ومؤسسات للصيانة يتطلب إيجاد إدارات رقابة صارمة؛ حتى لا نفتح سوقا سوداء، في هذا الأمر وهو ما ينطبق على شركات التأمين أيضا، وبهذه الطريقة نحقق جزءا من متطلبات التنمية المستدامة ونقلل عن الحكومة جزءا من الأعباء التي تقوم بها، ولا تقوم بها كما يجب ونجعل منها رقيبا على الأداء ومطورا له بدلا من أن تكون ملامة على سوء الأداء. وفَّق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن منافس سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل:
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعهُ
وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدتُ به شرخ الشباب ونعمةٍ
كنعمةِ قومٍ أصبحواْ في ظلالكا
وحبّب أوطان الرجال إليهمُ
مآرب قضّاها الشباب هنالكا
إذا ذكرواْ أوطانهم ذكّرتهمُ
عهود الصبا فيها فحنواْ لذلكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسدٌ إن بان غودرتُ هالكا