التنمية الرعوية
عندما كتبت عن التنمية التي أتمناها أشرت في سياقها إلى التنمية الرعوية، وأوضحت شيئا من مفهومها وبعض آثارها السلبية دون الدخول في كل تفاصيلها لأسباب عديدة، أهمها ضيق المساحة وصعوبة إيضاح الفكر في هذا الوقت بالذات، لكنني بكل أمانة وجدت فيها شيئا من خيانة أمانة الطرح والفكر والكتابة، خصوصا مع الحجم الكبير من الملاحظات والاستفسارات التي وصلتني بين غير فاهم أو غير موافق، وجدت أن مفهوم التنمية الرعوية أو كما سمّاها أحد المرسلين "المسؤولية من طرف واحد" واستشهد بوضعه في بيته مع والديه وإخوانه وزوجته وأبنائه، وكيف أنه أصبح ماكينة صرف وكل واحد لا يقدّر أي عمل يقوم به، بحيث أصبح في نظر نفسه أنه يمثل الحكومة وجميع أفراد أسرته يمثلون مختلف أطياف المجتمع من مؤسسات وأفراد، فمع كل ما يعمله ويقدمه من جهد وعمل غير مقدر ولا مشكور، بل كل ينظر إلى الخلل في هذا العمل المقدم غير المقدر، وبسبب سياسته كما يقول التي تقوم على محاولة إرضاء الجميع: الوالدين والزوجة والأخوات والأبناء والبنات، وغيرهم من أسرته في حلقتها الأولى أو الثانية وربما الثالثة، وجد نفسه يعيش حالة من الجري غير المحمود والعطاء غير المقدر، وهنا كانت نقطة الحوار أو الالتقاء، إن صح التعبير، بين مفهوم التنمية الشاملة المتوازنة والمتوازية وبين التنمية الرعوية، وبالمناسبة هذه الشكوى التي ذكرها صاحبها يشتكي منها الجميع: الآباء والأبناء والأزواج والزوجات، فكل واحد ينظر من طرفه أنه هو المعطي وغيره لا، هذا الإحساس بمفهوم التنمية الرعوية لو أخذناه وطبقناه على العلاقة التنموية بين الحكومة والمواطن لوجدنا أن الحكومة لأٍسباب عديدة سأتطرق لبعضها في هذا المقال، وأفرد للبعض الآخر مقالات أخرى تعيش هذه الحالة التنموية بينها وبين المواطن.
إن إصرار الحكومة على حمل كل الأعمال الأساسية والثانوية، المباشرة وغير المباشرة والقيام بالتخطيط لها وتنفيذها وتشغيلها وصيانتها ومتابعتها وتقديمها إلى آخر القائمة؛ فإننا نجدها في نهاية المطاف عاجزة عن تحقيق ما تريد وعاجز المواطن عن الوصول إلى ما يريد، وعلى مدار كل الخطط التنموية الخمسية لعبت الحكومة دور المسؤولية عن كل شيء وأصبح المواطن مثل بعض الأبناء المدللين الذين يستمرون في الطلبات والتشكي من عدم تحقيقها دون أن يقدم ذلك الابن ما يشفع له لكسب ما يطالب به.
إن ثقافة ومدرسة التنمية الرعوية ربما كانت صالحة في حقبة تنموية سابقة، لكنها اليوم وبكل تأكيد لا يمكن الاستمرار فيها أو قبولها؛ لأنها بدأت تؤثر في العطاء المؤسسي الحكومي ومن جهة أخرى أن المجتمع تطورت مؤسساته الخاصة والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني وبدأ كل قطاع يبحث عن دوره ونصيبه في التنمية وفي حالة عدم القدرة على الحصول عليه يبدأ الضغط على المؤسسة الحكومية وتحميلها التقصير الحاصل في كل الخدمات الأساسية والثانوية والتنموية والخدمية، وهذا الأمر أصبح مرهقا لكل من يعمل بصدق وأمانة في القطاع الحكومي، إضافة إلى أن القطاع الحكومي كان الجاذب الأول بين القطاعات للكفاءات السعودية واليوم انعكس الوضع وأصبح القطاع الحكومي أقل جذبا للكفاءات وربما أصبح طاردا لها وأخذ دورها في القطاعات الأخرى؛ ما يعني أن الوقت قد حان لتغيير ثقافتنا ومدرستنا التي اعتمدت سنوات عديدة على التنمية الرعوية التي تعطي وتعطي دون أن تزرع ثقافة ومنهجية التنمية الشاملة والمتوازنة التي تلزم الجميع بالمشاركة فيها وفق رؤية تنموية وصلاحية وطنية تحدد المهام والواجبات والمسئوليات للمؤسسات والأفراد على كامل نطاق الوطن دون التفريق بين كبير وصغير غني وفقير، رجل أو امرأة.
إن الهدف من الخروج من مفهوم التنمية الرعوية لا يعني أو يهدف إلى تخلي الحكومة عن مسؤوليتها، لكن يعني إيضاح المسؤوليات والمهام على كل قطاعات الدولة وأفرادها، ويكون التنافس التنموي هو في القدرة على التطوير والإنتاج وزيادة دخل الفرد الدخل الحقيقي المحقق للرفاهية الإنسانية بكل أبعادها التنموية، الاجتماعية والنفسية والصحية والتعليمية تعزيز القيم والمبادئ التي أسس عليها ديننا الحنيف وتعيد السعادة إلى الوجوه المجهدة من شقاء الحياة والركض المرهق من أجل لقمة العيش وتغيير الثقافة السائدة من تصعيب الحصول على العيش الكريم وهي الثقافة التي عززتها كل النظريات الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية التي قامت على إيجاد سبل تقضي على مفهوم الحياة الكريمة وتعزيز مفهوم العلاقات الحياتية المتشابكة، ما أضعف الروابط الأسرية وعزز مفهوم "الأنا" بين الجميع.
إننا في المملكة العربية السعودية نملك، ولله الحمد والشكر، كل المقومات التي تساعدنا على تحقيق المفهوم السليم والمستدام للتنمية الشاملة المتوازنة والمتوازية بين الإنسان والمكان ونحقق العدالة التنموية المتزنة لجميع المواطنين وفقا لقدرات العطاء والتطوير والبناء الوطني، وفّق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل :
أبـوس خـشـمـه وأنــشــده ويـــش لــونــه
ومـــحـــبـــتـــي لـــه ما وراهـا طـمـايـع
وأقــــدّره وأشـــــاركــــه فــــي حـــزونـــه
وأثــره عـدون لـي خـبـيـث الـطـبـايـع
إكـحـل عــدوك لــيــن تــعــمــي عـيـونـه
ألـبـس له أغلى اللبس لو كنت جـايـع
لـو عشت عمر شـعـيـب وأنـت بـمـهـونـه
ضـايـع وما تـقـضـي من الـعـمـر ضـايـع
الــعـز يـــوم يـــغــــامـــر الـــرجـــل دونــه
وأعـمـار غـيـرك مـثـل عـــمــرك ودايـع
ولــيــا لـقـيـت أهـل الــدهـر يـشـتـكـونـه
لا تـشـتـكـي دهــرك عـلى كـل صـايـع