التنمية والعمل المؤسسي

التنمية فكر شامل لكل متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والخدمية، وتتعزز التنمية ومخرجاتها بوضوح الرؤية والأهداف وترجمتها إلى برامج ومشروعات يمكن قياس الأداء والجودة بها، وكل تنمية لا تنطلق بعد الرؤية والأهداف من العمل المؤسسي تصبح تنمية عرجاء وتكثر أخطاؤها والملاحظات عليها، ومن تجربة تزيد على 30 عاما وجدت أنه كلما غاب العمل المؤسسي الجماعي داخل الجهاز أو بين الأجهزة المختلفة عن أي عمل تكثر مشاكله وأخطاؤه ويغلب عليه عدم الإنجاز أو الإنجاز الناقص المستعجل الذي يسعى لاقتناص النجاحات الفردية الوهمية التي تخرج العمل دون الجدوى المرجوة منه، ولهذا نجد أن أغلبية مشروعاتنا مشروعات منجزة، لكن غير محققة لمتطلبات السكان ولا تحقق الهدف المرجو منها.
لإيضاح الصورة التنموية التي أتمنى أن أوصلها لكم هي تقييم كل واحد منكم لكل مشروع تم الانتهاء منه، سواء كان طريقا أو نفقا أو جسرا أو مستشفى أو مدرسة.. إلى آخره، نلاحظ عليها الإنجاز الناقص سواء بسبب الجهة المعنية بالمشروع أو جهات أخرى، ومثال ذلك هناك مستشفيات وكليات ومبانٍ ومشروعات حيوية مهمة تم تنفيذها، لكن بسبب بعض المعوقات مثل عدم إيصال الكهرباء أو الطريق أو.. أو.. لا تتم الاستفادة منها وعند السؤال عن سبب ذلك يقال لك كتبنا وكتبنا، والحقيقة أن غياب التنسيق والعمل المؤسسي الجماعي هو ما أدى إلى ذلك، وهذا يعني أن المشروع تم الانتهاء منه، لكن دون الاستفادة منه وربما لعدد من السنين التي يتحول بعدها المشروع الحيوي إلى مبانٍ متهالكة لا يستفاد منها في القادم من الأيام، ومثال آخر هو اعتماد طريق حيوي ومهم ويستمر تنفيذه خلال العديد من السنوات التي بسبب ضعف الاعتمادات المالية أو تراخي المقاول في الأداء أو ضعف الإشراف على التنفيذ، وهذا يجعل الاستفادة منه غير مجدية، وربما تتطور المواقع المحيطة بشكل عشوائي ثم تصبح عبئا على الطريق ثم التنمية بشكل عام.
النماذج التي يمكن طرحها في هذا المجال عديدة، سواء كمشاريع مكانية مثل المباني والطرق وغيرها أو برامج إنسانية، نرى أن بعضها تبدأ بمبادرة شخصية يبذل فيها الكثير من الجهد ثم تنتهي بانتهاء صاحب المبادرة، وهناك الكثير من البرامج التي تم تبنيها وصرف عليها الكثير من الجهود والوقت والمال، لكنها بعد حقبة زمنية معينة ينتهي ولم يحقق الاستدامة المطلوبة.
إن المتابع والمراقب لمنهج وأسلوب وإدارة التنمية في المملكة العربية السعودية يلاحظ الفجوة الإدارية في متابعة متطلبات المشروعات بشكل متكامل هي في أبسط الأدوار التي نعايشها يوميا، ومنها كثرة الحفر والدفن في طرقنا وشوارعنا، فلا يكاد يمر شهر دون تعرض كل طريق أو شارع أو حديقة للحفر من أجل إيصال أحد المرافق مثل المياه والكهرباء أو الاتصالات أو ما هو أكبر مثل الصرف الصحي وتصريف المياه، والسبب في هذا الحفر المستمر هو غياب التنسيق بين تلك القطاعات، أو بمعنى أدق غياب الإدارة المحلية المعنية بتوحيد الجهود والميزانيات والدفع نحو إنشاء قنوات تمديد المرافق والخدمات بحيث يتم تحديد جميع الشبكات بها وعمل الصيانة وإيصال الخدمات من خلالها دون الحاجة إلى الحفر، ولن يتحقق ذلك ما لم تكن هناك مرجعية إدارية محلية واحدة وملزمة للجميع.
المرحلة القادمة تحتاج إلى تعزيز العمل المؤسسي ودعم دور الأجهزة المحلية لمتابعة أداء الجهات الحكومية وغيرها من مختلف قطاعات الدولة المختلفة في كل المجالات حتى نحقق الرضا الغائب عنا. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل:
«أمنْ بعدِ بذلِ النفسِ فيما تريدهُ
أُثَابُ بِمُرّ العَتْبِ حِينَ أُثَابُ؟
فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ
وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
فكل الذي فوق التراب تراب»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي