لن تنتهي جرائم الخادمات
عندما تزور بعض الحضانات والروضات وبعض مدارس البنات في نهاية الدوام الرسمي ستذهل من الكم الهائل من الخادمات اللاتي يسرعن لاصطحاب أطفال الأسر التي يعملن لديها، وهن يتبادلن الأطعمة والحقائب اليدوية والبلاستيكية التي لا يمكن أن تعرف ما بداخلها، وكل ذلك يجري وسماعات الهاتف المتنقل لا تغادر آذانهن، ومع ذلك تتم عملية توصيل الطفل للمنزل بكل يسر وسهولة وكأن شيئا لم يكن، فتصل إلى المنزل لتتوجه إلى غرفتها لفتح ما استلمته من مثيلاتها، وقد وضعت فيه أشياء كثيرة، ربما سيئة لا تعلم عنها الأسرة شيئا ربما سحر وشعوذة أو ربما غير ذلك، وبعد فترة تكتشف ربة المنزل السحر وتلاحظ السرقة ولا تستبعد أن تكون تلك مقدمات لجريمة على وشك الحدوث! ولكن مع ذلك فإن تلك الأحداث، وإن تضاعفت، لا تشكل شيئا لبعض ربات البيوت حتى تقع الجريمة فعلا.
ولعلنا في السنوات الأخيرة لم نعد نتعجب من قراءة جرائم الخادمات فهي متكررة ومتتالية، ولكنها من المفترض أن تكون عبرة لمن يقرؤها أو يسمع عنها، ولكن مع ذلك فإن كثيرا من الناس ــــ وكما ذكرت ــــ لا يشكل الموضوع لديهم شيئا يذكر على اعتبار أن ما حدث لغيرهم من المستحيل أن يحدث لهم لأن في اعتقادهم أن لديهم الفنية المناسبة للتعامل مع الخادمة، وهذا ما يجعل الاستهتار بتجارب الآخرين سببا رئيسا في حدوث جرائم الخادمات، حيث ما زالت هناك أسر تعطي صلاحية الأبناء كاملة للخادمة من خلال تعاملها المباشر بالأبناء حتى في أبسط التفاصيل التي من المفترض أن تكون فيها الأم صاحبة هذا الدور، فأغلب الجرائم لا تقوم إلا عندما تنفرد الخادمة بالطفل لتمارس كل ما تحمله في نفسها من دوافع للشر والعدوانية ونسمع عن جرائم أقيمت بطرق مختلفة كالحرق وقطع الرأس والقتل بالماء المغلي والاختناق بالغاز وغيرها والأم غائبة.. وقد يكون التعامل الإيجابي مع الخادمة وإعطاؤها حقوقها سببا في كبح الجريمة لدى البعض، ولكنه ليس كذلك لدى البعض الآخر، ولو فكر الآباء في البيئات التي تأتي منها الخادمات لوجدوا أنها بيئات فقيرة، ووفق الدراسات المختلفة على مجتمعات مختلفة في العالم وجد ارتباط عال بين الفقر والجريمة بل والانحرافات الأخلاقية، ومع ذلك لا يزال الكثير من الأسر تتجاهل فكرة الحذر في التعامل مع الخادمة لدرجة تصبح فيها الخادمة تتدخل في كل أمور المنزل بل وتدير كل ما يتعلق بأكل الطفل وشربه ونومه وحل الواجبات المدرسية أحيانا، مع أن دورها الأساسي من المفترض أن يكون موجها فقط من أجل المساعدة في نظافة المنزل وبعض الأعمال البسيطة المتعلقة به ولا علاقة لها بالأبناء إطلاقا، ومن الخطر الشديد جدا أن تثق الأم بالخادمة لتجلس مع طفلها في فترات تكون فيها خارج المنزل، أما إن كانت الأم تعمل فإن تسجيل الطفل في إحدى الروضات يكون أكثر أمانا حتى وإن كلف ذلك الأسرة عبئا ماديا، ومع كثرة جرائم الخادمات وتنوعها فإنه لابد من رفع عتبة التوعية الإعلامية ليس فقط للجريمة، ولكن لجميع السلوكيات السلبية الصادرة من الخادمات والتي قد لا تعلم بها الأسرة كالتحرش الجنسي والسحر والسرقة وما شابه ذلك، بل وسلوكيات ربما لا تكتشفها الأسرة إلا بعد سفر الخادمة.. فمتى ندرك أن أطفالنا أمانة؟!