الفضائيات العربية لا تدرِّب مقدمي الطقس وتتعامل بتقليدية مع ظاهرة التغير المناخي
رانيا القرعاوي من الرياض
بات الأطفال قبل الكبار يترقبون فقرة الطقس في نشرة الأخبار بشغف يتفوق على متابعتهم أخبار تطورات الثورات العربية أو أخبار النشرة الطبية أو الصحية، ما بين انتظار لخبر إجازة قد يأتي فجأة بسبب تغيّر في الطقس أو تحديد مكان التنزه للعائلة من عدمه، إن اهتمام الأفراد بالطقس وأحواله والاتصال بخبراء الفلك والمناخ زادا لأكثر من الضعف خاصة مع بداية كوارث الطقس مع أحداث جدة وتبوك، فمتابعوه كخبير فلكي على تويتر وصلوا إلى 100 ألف، كما أن خبراء الفلك أصبحوا أكثر شهرة ومحط أسئلة واهتمام من الأفراد والإعلاميين لم تكن موجودة سابقا، كما أكد لـ ''الاقتصادية'' دكتور خالد الزعاق الباحث الفلكي وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، مشيرا إلى أن مئات الاتصالات تأتيه يوميا للسؤال عن أحوال الطقس والجديد فيها سواء في أوقات المدارس أو الإجازات، كما أن الإقبال على استضافة خبراء الفلك في نشرات الأخبار أصبح مطلبا لم يكن موجودا في السابق. وباتت الشركات تتجه لرعاية فقرة الطقس.
#2#
ونوه الزعاق بأن هذا الاهتمام لا يقابله إعداد جيد للإعلاميين الذين يتناولون تلك الموضوعات بطريقة آلية ومباشرة غالبا، وأحيانا دون معرفة بطرق انتقاء المعلومات الصحيحة وفهمها وتحليلها، أو استخدام صور توضيحية وطرق أكثر جذبا لنشرة الأخبار، وعلى الرغم من تهويل بعض وسائل الإعلام لأحوال الطقس أو الطريقة التقليدية بتناول وإلقاء معلومات الطقس، واستقاء بعض الإعلاميين معلوماتهم من مواقع مغلوطة ومساهمتهم بشكل خاطئ في نشر الشائعات إلا أن الجمهور العربي يزيد اهتمامه بأحوال الطقس ونشرته بشكل واضح، فأصبحت من الفقرات التي يحرص على متابعتها ويتوقع أن يزيد الاهتمام مع زيادة التغيرات المناخية والارتفاع والانخفاض في درجات الحرارة، خاصة أن أغلب الكوارث العربية هي من تأثير المناخ أو سوء البنية التحتية التي تتأثر بالطقس والمناخ ومع تزايد ظاهرة البناء في باطن الأودية وشعوبها في الرياض و حائل وتوقع الكوارث بسبب خلل البنية التحتية.
ووصف الزعاق نشرات الطقس في الإعلام العربي بأنها تمر بمرحلة من عدم الخبرة والثقافة من طرفي النشرة أي متوقعي التغيرات المناخية أو مَن يقومون بالقراءة المناخية من المتخصصين في الفلك أو مذيعي نشرات الطقس، مشددا على أن الإعلاميين بحاجة إلى جهة تقدم دورات تدريبية لهم على غرار معهد الطقس في هيئة الإذاعة البريطانية، ليتمكنوا من أدوات تقديم برامج الطقس بصورة تتناسب مع اهتمام الجمهور وشغفهم الذي زاد بفقرة الطقس. وليقوموا بدورهم بسد الشائعات من خلال القراءة المتأنية لأحوال الطقس المستقبلية، معبرا عن أمله في وجود حلقة الوصل التي تجعل لدينا جيلا من إعلاميين متخصصين في الطقس والمناخ بشكل يجذب الأفراد بدلا من أن ينصرفوا إلى التطبيقات الذكية الخاصة بالطقس.
من جهة أخرى، وبينما يبتكر الإعلام الغربي بنشرات الطقس فمن قفزة بالبراشوت يقوم بها مذيع ''بي بي سي'' إلى تقديمها ذات مرة من قبل الأمير تشارلز، فإن نشرات الطقس في العالم العربي ما زالت تميل للجمود والتقليدية وترجع الدكتورة نجوى كامل الباحثة في الصحافة المتخصصة السبب إلى أن القائمين على النشرات لدينا يعتقدون أن فقرة الطقس من أسهل الفقرات فلا تتطلب سوى شكل جميل وابتسامة ولا تحتاج إلى سرعة بديهة أو حنكة، كغيرها من الفقرات السياسية والاقتصادية، وهو ما يجعل فقرات الطقس لدينا بعيدة عن الابتكار ويفتقر مقدموها إلى تحليل الطقس وتوقعه كما في تلفزيونات العالم، مشيرة إلى أن الشركات التي ترعى فقرة الطقس تسهم في هذا الجمود والتقليدية فهي تميل للإعلان بفقرة الطقس لمعرفتها بإقبال الناس الكثيف خاصة في فترة الأجواء المتقلبة، إلى أنها لا تحاول أن تقدم محتوى إعلاناتها بطريقة مبتكرة أو تحتوي على معلومة مفيدة عن ظاهرة التغير المناخي أو أي ظاهرة فيزيائية علمية، ومن الطبيعي أنه إذا لم تطور نشرات الطقس من نفسها فإن الجمهور سينصرف عنها خاصة مع مئات التطبيقات الذكية أو المواقع العالمية التي يجد فيها المشاهد ما يبحث عنه بأسلوب شيق مختلف عن وقوف مقدم النشرة سواء كان مذيعا أو مذيعة في المكان المحدد، أمام حائط مخصص ويمر فوقه جرافيكس النشرة الجويّة. والبدء بقراءة النصّ المعد يوميا دون أي تغيير.
#3#
ويوضح مايكل فيش المذيع البريطاني الأكثر شهرة في عالم الطقس والمناخ، في كتابه ''العاصفة'' أن على مقدم نشرة الطقس أن يكون جريئا ومبتكرا في تناوله لأحوال التغيرات المناخية، فمثلا هو قام بالقفز ببراشوت وسط مدينة لندن للفت النظر وزيادة الوعي بقضية التغير المناخي، مبينا أن مقدم نشرة توقعات الطقس ليس عملا سهلا وتقليديا أو لا يحتاج إلى ذكاء وسرعة بديهة كما يعتقد البعض، خاصة أنه يرتبط أحيانا بحياة أفراد آخرين ، فمثلا هو ما زال يتذكر خطأه الشهير منذ أكثر من ربع قرن الذي كان دافعا له لتأليف الكتاب لنقل خبراته لمقدمي نشرات الطقس، عندما كان عدم تنبؤه بأسوأ عاصفة تشهدها بريطانيا عام 1987م التي ضربت شمال شرقي إنجلترا وحققت خسائر قياسية وتسببت في قتل 18 شخصا، وعلى الرغم من تنبؤاته الناجحة السابقة كافة التي برأيه لو أخذ بنسا واحدا عليها لأصبح مليونيرا، إلا أنه ما زال يشعر بالذنب لهذا الخطأ قائلا: إن مقدم توقعات الطقس عليه أحيانا أن يميل للتشاؤم ويتوقع الأسوأ لكيلا تتسبب آراؤه في خسائر في الأرواح، مشددا على أهمية أن يتعمق مقدم نشرة الأخبار في كل قضايا التغير المناخي ودرجات الحرارة وارتفاع المياه وحركة السحاب، فالمقدم الناجح ليس فقط مَن يسرد توقعات الطقس بطريقة آلية ومباشرة، بل مَن يستوعب قضية التغير المناخي ويبتكر في إيصالها للمشاهدين، فكلما زاد فهمه وتعمقه ازدادت صحة توقعاته وازداد ارتباط المشاهدين به واعتمادهم على نصائحه.
يذكر أن فيش بدأ عمله كأصغر مذيع في قسم الطقس في الإذاعة البريطانية في 1974م، بعدها تطور من مقدم لثلاث نشرات طقس داخل بريطانيا فقط إلى مقدم توقعات الطقس الأشهر عالميا.