قرار وتصريح في مسيرة الإصلاح
شدَّ انتباهي هذا الأسبوع قرار وتصريح من شخصيتيْن رسميتيْن في الحكومة قد يشيران إلى تحرُّك المسيرة في طريق الإصلاح.
أما القرار فقد صدر عن موافقة وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، على تفويض أمراء المناطق بصلاحياته، وتشمل الإجراءات الإدارية والمالية والحقوقية، لمدة عام واحد.
مبدأ "التفويض" الإداري معروف، وهو منح آخرين سلطة أداء مهام محددة تحت إشراف المفوِض، ويحقق هذا المبدأ فوائد عدة، من أهمها في هذه الحالة أن تصبح وزارة الداخلية أكثر إنتاجيةً وتنظيماً، إضافة إلى تطوير العاملين في الوزارة واستثمار أوقات الآخرين للمصلحة العامة.
من هذا المنطلق تنتقل صلاحيات وزير الداخلية لأمراء المناطق، كل في منطقته، ما يتعلق بالأمن العام، المباحث، الدفاع المدني، حرس الحدود، قوات الأمن الخاصّة، الجوازات، قوات أمن المنشآت، مكافحة المخدرات، السجون، التحريات المالية، إدارة الأمن الفكري، الأمن الصناعي، والمشروعات التطويرية.
أما مهام ومسؤوليات الوزير الأخرى التي لا أتوقع أن تنتقل لأمراء المناطق فربما تشمل الإدارة العامة للشؤون العسكرية، مجلس الاستئناف العسكري، إدارة شؤون الضباط العامة والأفراد، الإدارة العامة للأسلحة، مركز القيادة والسيطرة والتحكم، كلية الملك فهد الأمنية، ومركز المعلومات الوطني. هذا بالنسبة للقرار.
أما التصريح الذي شدَّ انتباهي فقد صدر بالصوت والصورة من وزير العدل عن قيادة المرأة للسيارة.
فقد أكد الوزير الدكتور محمد العيسى، عبر مقابلة خاصة مع قناة "العربية"، أنه "لا يوجد نص دستوري تنظيمي يمنع المرأة من قيادة السيارة، لكن هذا الأمر يتعلق بإرادة المجتمع السعودي ورغبته وثقافته". وأضاف الوزير: "إذا أراد المجتمع بإرادته ومحض رغبته الخاصّة أن تقود المرأة السيارة فهو إليه وإذا كان لديه تحفظ في هذا الجانب فالأمر إليه".
تصريح وزير العدل لقناة عربية وليس أجنبية جاء واضحاً وصريحاً. ربما جاء هذا التصريح مكملاً لتصريح سابق للوزير بتاريخ الثاني من أيار (مايو) 2012 والذي قال فيه إنه "لا يوجد شيء في الشريعة الإسلامية يمنع المرأة من قيادة السيارة".
أهمية هذا التصريحات أنها أوضحت بما لا يوحي بالشك من قريب أو بعيد عدم ممانعة الدستور والنظام "وهذا يشمل النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام وزارة الداخلية وأنظمة الدولة الأخرى"، وكذلك عدم ممانعة الشريعة لقيادة المرأة.
لا أعتقد أن تصريح وزير العدل جاء مصادفة مع ما صدر عن المستشار في الديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله المنيع، أن منع المرأة من قيادة السيارة جاء "تكريماً من الدولة لها، وحفاظاً على عفتها وأنوثتها".
مع احترامي لرأي فضيلة الشيخ المنيع، فقد أوقعه هذا التصريح في حرج من شقين كان فضيلته غنياً عنهما. الأول هو تعارض تصريح الشيخ مع تصريح وزير العدل. أما الحرج الثاني فهو موقفه عندما تسمح الدولة للمرأة بالقيادة الذي أصبح قريباً. هل فعلاً بذلك ستفقد المرأة عفتها وأنوثتها؟
موضوع قيادة المرأة ليس له علاقة من بعيد أو قريب بالتغريب وتقليد الغرب أو التنازل عن أمور في الشريعة السمحة، كما اقترح الشيخ الفاضل، بل هو في معظمه حاجة اجتماعية واقتصادية وأمنية ملحة.
سئمنا مناقشة هذا الملف، حان الوقت لإصدار القرار الحكيم بأن تكون المرأة السعودية التي تمثل 1 في المائة من مجموع نساء العالم الإسلامي مثل الـ 99 في المائة الأخريات.
عضو جمعية الاقتصاد السعودية