إلى المبتعثين: إياكم وقدور الضغط

تناقلت وسائل الإعلام صورة لأحد أبنائنا المبتعثين "طلال" في ولاية متشيجان وهو في طريقه "للرَبع" حاملاً بيده "قدر ضغط". لم تتأخر جارته الأمريكية عن القيام بواجبها "الوطني" فسارعت بالاتصال بمكتب التحقيقات الفيدرالية "إف بي آي" قائلة: نعم، في يده قدر ضغط كبير الحجم ولونه رصاصي، ويشبه ذاك الذي استخدم في تفجيري ماراثون بوسطن.
حاصرت قوات الـ "إف بي آي" شقة طلال وفتشت منزله واستجوبته بسبب جرم مهم وخطير يتعلق بالأمن القومي: قدر ضغط.
سألوه عن دراسته وتاريخ قدومه للولايات المتحدة والنشاطات التي يمارسها خارج الجامعة والأهم من هذا كله؛ المكان الذي ذهب إليه بالقدر. طمأنهم طلال بأن السعوديين يستخدمون قدر الضغط في طهي "الكبسة". بعد أن شاهد الفريق المداهم القدر، نصحوا طلال بتوخي الحذر في التحرك بمثل هذه "الأدوات". انتهت "كبسة" الـ "إف بي آي" على خير، أو هكذا قد يُخَيَل لنا.
لا شك أن تقرير المداهمة الذي كتبه الفريق الأمني كان مكتمل الأوصاف؛ السلاح المشبوه "قدر ضغط"، المشتبه به "مبتعث سعودي"، والدافع للجريمة "كبسة".
أتذكر عندما كنت أدرس في الولايات المتحدة في السبعينيات، دعانا أحد الزملاء إلى منزله على كبسة دجاج. اقترح أحدهم على مضيفنا أن نستضيف "أليس"، وهي سيدة أمريكية في مقتبل السبعينيات، وكانت - رغم كبر سنها - مهتمة بشكل كبير بالطلاب السعوديين في الولاية التي كنا ندرس فيها.
كانت "أليس" تزورنا عندما نمرض، ترسل لنا ما تخبزه من حلويات بمناسبة عيد الفطر، تتابع معنا تقدمنا "أو تأخرنا" في الدراسة ربما أكثر من الملحقية، وتحضر بنفسها لمركز الشرطة إذا تم استدعاء أحدنا بسبب مخالفة مرورية فتكفله بعد أن تشرح للضابط أن "هؤلاء الطلاب غرباء ولم يتعودوا بعد على أنظمة البلد". كانت تحضر حفلات التخرج في الجامعة وكأنها تحتفل بتخرج أحد أحفادها.
دارت الأيام واختفت "أليس" من حياتنا. لا أريد أن أدخل في نقاش بيزنطي عن متاهات الحادي عشر من سبتمبر، أو ما لحقها من أحداث فردية لمبتعثينا سواء بإرادتهم أو لأسباب أخرى. فقدنا "أليس" وحلت محلها الشبهة والشك في كل ما هو "سعودي" سواء في المطارات، أو على الطائرة، أو في صالة الرياضة في الجامعة، أو في قدر ضغط ليس له أو عليه.
لندع كل هذا وراءنا وننظر للمستقبل. ناديت من قبل بتأسيس جمعية سعودية أهلية من نخب ومثقفين لتعزيز موقعنا الاجتماعي في العالم. ديننا الحنيف حثنا على التعايش السلمي مع الآخر، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - أرسل مبعوثين حكماء، ووقع معاهدات لفض النزاعات ولتعزيز الثقافة الإسلامية التي تدعو للإنسانية والأمن والأمان.
حان الوقت لسد الهوة بيننا وبين الآخر عوضاً عن ترك الساحة مفتوحة لتضليل الغرب عن قيمنا الاجتماعية والثقافية.
نريد أن نكون محل احترام وتقدير جميع من حولنا. أتطلع لليوم الذي يدعو فيه أبناؤنا المبتعثون جيرانهم الأجانب لوليمة "كبسة" أو "مشبوس" أو "مضغوط" وحوار هادئ قد ينزع فتيل الشك إلى الأبد.

*عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي