تفسير الأحلام وسيلة الفضائيات للكسب المادي
شهدت معظم الفضائيات خلال الفترة الأخيرة تنافسا قويا وشرسا لتقديم برامج تفسير الأحلام مستغلين بذلك معاناة الكثير من المشاهدين والمتابعين للشاشات الفضية من الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية التي تواجههم بعد أن انتشرت في الفترة الأخيرة حكايات التصديق بالرؤى والأحلام والخوف من المستقبل والعين والسحر، وما شابه ذلك من قضايا تفككت الأسر بسببها. وأصبحت هذه الظواهر السلبية كثيرة ولكن الأجدر البحث في أسبابها ومسبباتها لإيجاد حل مناسب لها لكي نَقى أنفسنا من شرورها، ولا نَتمادى فيها ونجعلها جزءا لا يتجزأ من حياتنا وتكون الفَلك الذي ندور فيه معتقدين أننا لن نجد لها الحل ونصبح أسرى في ظلمات مَحبسها. إن أهم ما تتداوله الفضائيات من ظواهر سلبية حالياً برامجها عن تفسير الأحلام التي بَاتت تجارة رائجة لأصحابها بداية من الشخص ''السوبر مُفسر'' الذي نَصَّب نفسه عالماً بِبَواطن الأمور إلى أصغر عامل في هذه المنظومة، فلقد أصبحت هذه البرامج المُحور الأساسي للكثير من الأمور في حياتنا نبدأ يومنا بتدوين الحلم الذي كان يُؤرقنا ليلاً لننتظر ميعاد الحلقة سواء اليومية أو الأسبوعية ثم نَرويه على من جَاء ليجلس أمامنا ليَستنزف أموالنا دون عِلم أو دراية، ولِمَ لا وقد أصبحت هذه البرامج بمثابة طوق النجاة لكل بائس حتى إنها اِنتشرت في مجتمعاتنا العربية كانتشار النار في الهشيم وهذا نَذِير خطر جعلنا مُغيبين عما يَدور من حولنا، فلقد أصبحت هذه البرامج والقائمون عليها آفة تُهدد مجتمعاتنا بكل سوء فكثرة الفضائيات وما صَاحبها من تَفش مَهول في عدد البرامج التي تبيع الهواء لمشاهديها باتت عِبئا إضافيا تَتحمله الأسرة، فتبدأ الحلقة ببعض الآيات القرآنية كمدخل مَضمون لكسب ثقة المشاهد فقد تاجر بالدين كبداية وبعدها يبدأ بعرض أرقام الهواتف حتى يَتصل به الجمهور وهنا تاجر بالعقول، وتبدأ الضحية نعم الضحية في سَرد حلمها وكأنها أزاحت هَماً ثقيلاً معتقدة أنها ستجد عنده الحل وفي المُقابل يحاول المُفسر مراراً استنباط شيء من كلامها حتى يتلاعب بعقلها ويبحث وراءَ رغبتها ليعطيها في التفسير ما تريده وتتمناه فتُعاود الاتصال مرة أخرى بعدما وَجدت الحل الوهمي الذي أثلج صدرها ثم تُعاد الكَرة مع ضحية أخرى، ولِما لا وتكلفة هذه المُكالمات تُؤمن له راتبا أو نسبة تُعينه على الحياة غير مُبال بحال الناس ضعفاء النفوس المرضى، حقاً هم مرضى يلهثون وَراء خُرافات مُدمرة فهناك كثير منهم يجعل من أحلامه مقياساً لما قد يحدث له، لكنه لا يُدرك أن الشخص الذي جَاء بعد فترة انتظار وجلس أمامه على الشاشة احتمال كبير بل مُؤكد أنه شخص عادي مثلنا ليس عَالما مُخضرما كما يعتقد ولا هو شيخ فقيه كم يعتقد الكثيرون ولكنه شخص ذَكي هو وفريق عمله فلقد أصبحوا المُحرك الأساسي لحياتهم.
وهنا يقول لـ ''الاقتصادية'' أوضح الشيخ ناصر الرميح معبر ومقدم برنامج تفسير الأحلام أن إعداد برامج تفسير الأحلام المسموعة أو المرئية يتم في معظم القنوات أولاً عن طريق اختيار معبرين الرؤى المتميزين والمتمكنين علمياً وتعبيرياً, وبناءً على سمعة المعبر ومتابعة فريق الإعداد له مسبقاً تتم استضافته في البرنامج. وأضاف أنه في قنوات أخرى يتم اختيار المعبر بالمعرفة الشخصية أو الوساطة والشفاعة وهذه نسبة قليلة جداً.
ويقول علماء النفس إن هذه الأحلام ما هي إلا انفعالات نفسية نتيجة القلق والخوف والاكتئاب وتُعتبر الأحلام أيضاً ظاهرة صحية تفيد في الاحتفاظ بالتوازن العقلي للصحة النفسية، لذا فعلينا أن نَتفاءل بالأحلام السعيدة ولا نَهتم بالمُزعجة منها ولا نَجعل البحث عن تفسيرها مُحور حياتنا، فهناك البعض وأُجزم على هذا الكلام يبدأ البرنامج فيُمسك بسماعة الهاتف ''أتصل أم لا'' وبعد مُحاولات مع النفس الرافضة والراغبة أحياناً نَجد في الغالب تُرجح كَفة الراغبة المُستسلمة للواقع لتُحدث نفسها ''ولِمَ لا وهناك من الاتصالات التي تَنهال عليه من كل دول العالم فهل سيكون أنا من يُغير الكون بعدم اتصالي، يَجب أن أعرف تَفسير حلمي فربما يكون بالنسبة لي مفتاح السعادة لحياتي المَريرة'' ولأن الكثير من هؤلاء تُسيطر عليهم الحياة القاسية فهذا الحلم يُعتبر بمثابة طوق النجاة لسعادتهم.
ويعود ويوضح الشيخ الرميح أنه وإذا ما كان الهدف من استضافة المعبر للرؤى ماديا بحتا فإنه لا غضاضة في هذا المجال فنحن في عالم رأسمالي وقد يكون المعبر حضر للبرنامج للكسب المادي أو للشهرة بينما هناك من لا يتقاضى أي مقابل وإنما لوجه الله, والقنوات تحقق عوائد مادية مرتفعة من خدمة الرسائل النصية والاتصال المدفوع.
وكما نعلم فإن تفسير الأحلام والرؤى حق مشروع لكل مسلم وذلك وفق القواعد الشريعة التي أوضحها ديننا الحنيف ولا تُوجد ثَمة عَيب في معرفة ما يَدور في أحلامنا ورُؤانا ولكن يجب تَحري المصدر الموثوق ولنَترك تلك البرامج المُستغلة التي تُزيد أرصدة حساباتها من ورَائنا، وكذلك يَجب أن نكون مُلمين وعلى قدر من المَعرفة بهذا المُفسر وأن يكون لديه مَرجعية فقهية يُفسر ويحلل من تحت مِظلتها لا مُجرد تَكهنات وتلاعب بالعقول، وكفانا لَهث وَراء صفحة الطالع في الصحف والمجلات التي عَرف أصحابها من أين تُؤكل الكتف بِجعلها صفحة مُنتظمة في مواعيد محددة يتم من خلالها عرض الأحلام وتفسيرها حسب الأهواء، ولكن للإنصاف هناك العديد من أصحاب العلم وهؤلاء قِلة وهناك بالتأكيد على الجانب الآخر من يَستغلونها في المَقام الأول للتربح. وحول انتشار برامج تعبير الرؤى أشار الشيخ الرميح إلى أن القنوات اعتادت أن تعرض ما يحتاج إليه المشاهد ويهتمون به وطبقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ''في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب'' وكثرة الفتن والقلاقل تكثر معها الرؤى التي أغلبها المبشرة لذلك نشهد كثرة في برامج تفسير الرؤى. وحول ما يميز معبّر عن آخر شدد الرميح على أن بعض المعبرين يعبرون من جانب واحد فقط، بينما المعبر المتميز من لديه التمكن في أكثر من علم كالفراسة والقيافة ومن درس البرمجة العصبية أو العلوم الطبية التي تتيح له الاستنباط من الرؤيا أمراض عضوية موجودة لدى الإنسان. مضيفاً إلى أن الاختلاف في تفسير الرؤى من معبّر لآخر يعود لاجتهاد المعبر نفسه وإنما تفسير الرؤى عبارة عن اجتهادات شخصية ممن أتاه الله من علم التعبير. وهنا تسجيل كلمة أخيرة وهى أن الأحلام واقع نَعيشه في حياتنا ولا مشكلة في ذلك وهناك من الرؤى التي ذُكرت في القرآن الكريم فقد أوحى الله - عَز وجل - إلى سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بذبح وَلده ورؤيا سيدنا يوسف - عليه السلام - لذا فإن الرؤى واقع مفروض علينا شئنا أم أبَينا ولكن المرفوض هو البحث عن تلك البرامج الاستغلالية التي تستهدف ضعاف النفوس، فقط النَصيحة هي البحث عن مصدر آمِن أو ألا نعير الأمر اهتماما ولا دَاعي لتهويل الصغائر وجعلها مُحور حياتنا، فعليكم بالتفاؤل ولنتذكر قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: ''تفاءلوا بالخير تجدوه''.