إذا حضر «التضافر» .. حضرت «القوة»
أفضل صور ''التعاون الجماعي'' تتجلى حين يتضافر العازفون لإنتاج مقطوعة موسيقية، فلكل عضو في ''الجوقة'' دور محدد لا يحيد عنه، أو يشذ فيه عن ''النوتة''، جميعهم يتكاتفون لتحقيق هدف واحد: أداء عمل فني راق.
لك أن تتصور لو عزف كل واحد من ''العازفين'' لحنا منفردا، ستكون النتيجة ضوضاء تسود المكان، وتزعج مسامع الجمهور.
الحملة التي تقودها وزارات ''الداخلية'' و''العمل'' و''البلديات'' و''التجارة'' لاقت تأييدا كبيرا من المواطنين السعوديين، الذين رأوا فيها حملة شعواء لتطهير البلد من مخالفات تراكمت عبر السنين، فهذه ''الحملة الرباعية'' المباركة تسير صوب ما كنا ننادي به جميعا متمثلا في مطلب ''التضافر'' synergy بين الأجهزة الحكومية بدلا من أن يعمل كل جهاز وحده بشكل عشوائي.
فـ ''التضافر'' يمكن أن يتحقق بين الإدارات داخل المؤسسة الواحدة، ويمكن أن يتحقق بين المؤسسات داخل الحكومة، وبالتالي فإن محصلة جهود أطراف عدة تظل أكبر من محصلة جهد طرف وحده، ومحصلة التضافر هذه تظهر حين يتم التنسيق بين أربعة عناصر داخل المؤسسة الواحدة أو داخل المؤسسات المتضافرة، وهي: الثقافة، والأهداف، والأفراد، والعمليات (هل تتذكرون قصة الحكيم الذي مثل ''التضافر'' لأبنائه بحزمة الأعواد؟).
لقد تحالفت وزارتا الداخلية والعمل لضبط سوق العمل وتطهيره من العمالة السائبة والهاربة والمخالفة التي أفضت إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية تضرر منها المجتمع السعودي، وتحالف وزارتي البلديات والتجارة حماية للمستهلكين من تجاوزات التجار وصانعي الأطعمة وبائعيها.
لقد ظللنا سنوات نعاني غياب الدور الرقابي لبعض الجهات الحكومية، حتى أن البعض اعتبر ''الفوضى'' ظاهرة مألوفة في بلدنا، وأن ''التنظيم'' هو الظاهرة الشاذة، ونتيجة لذلك، عاني المواطن مشكلات كثيرة، وكان بإمكانه أن يحظى بالتنمية دون منغصات، وفي ظل مستوى عال من الرقابة التي تكفل الحماية لحقوق المواطنين والاستغلال الأمثل للموارد والتوزيع العادل لها.
والغريب ليس تلك الأعداد المرتفعة من العمالة غير النظامية التي كانت تحرك الاقتصاد الخفي في السعودية، أو تلك المحال أو المطاعم التي كنا نظن أنها ''مرموقة''، الغريب كيف سمحنا لأنفسنا أن نصمت على تراكم هذا الكم الهائل من الفوضى والمخالفات على مدى سنين، وما الثقافة التي تجعلنا نغض الطرف عن رؤية هذه المخالفات من حولنا دون أن نحرك ساكنا في إبلاغ الجهة المختصة؟ هل هو خذلان من جانبنا أم عدم قناعة بدور الجهة الحكومية المختصة؟
إن ''الحملة الرباعية''.. خطوة تعيد الثقة للمواطن السعودي الذي خابت آماله في كثير من الجهات الحكومية، فلم يعد يتوقع منها ما يخدم المواطنين، بل وصل إلى مرحلة أن يشكك في أي سياسات أو إجراءات جديدة، محاولا أن يربط بين ذلك وبين المصلحة الشخصية لمن يدير هذه الجهة أو تلك!
إن ''الحملة الرباعية''.. مبادرة يجب أن تحفز الجهات الحكومية الأخرى وتقنعهم بأن نجاح أدوارهم لا يتحقق إلا بتعاونهم وتضافر جهودهم، فكم من برامج وخطط واستراتيجيات فشلت لأنها لم تقم على أساس التعاون بين الأطراف المعنية، وكانت كل جهة تحاول أن تحصد وحدها ''النجاح'' وكأنها لا تدرك أن ''النجاح'' .. هو بمثابة ''كأس بطولة'' يمكن لكل من عمل واجتهد ضمن الفريق أن يفخر برفعه!
إن ''الحملة الرباعية''.. يجب أن تتمدد من حيث الأطراف وتستمر كنهج حكومي، لا يتوقف أو ينقطع، وألا يكون ''موضة حكومية'' عندنا مثل ''موضة'' تغيير الشعارات التي تفشت عند بعض الوزارات!
إن ''الحملة الرباعية''.. إذا استمرت بذات الزخم والقوة ستؤسس لثقافة داخل القطاع العام تقوم على التكامل، وتبتعد تماما عن لعبة ''رمي كرة اللوم'' بين جهة وأخرى، كما نتابع في وسائل الإعلام، حيث يكون المواطن (الضحية) الذي يدور في متاهات البيروقراطية بحثا عن أبسط حقوقه!
إن ''الحملة الرباعية''.. تزيد يقيننا بأن العبرة ليست بإصدار الأنظمة (القوانين)، وتجليدها في نسخ فاخرة، إنما العبرة في أن يتم تطبيق هذه الأنظمة بحذافيرها، لا أن تتحول إلى محاولات للالتفاف ومنح الاستثناءات!
إن ''الحملة الرباعية''.. تبرهن لنا أننا لسنا في حاجة إلى مزيد من الأجهزة الحكومية، إنما في حاجة إلى مزيد من التنسيق بين أجهزتنا الحالية، ليس من خلال اللجان البيروقراطية، إنما من خلال أنظمة المعلومات التي تربط بين هذه الجهات، لتحكم قبضتها وتطوق المراوغين والمتلاعبين الذين يستفيدون من غياب التنسيق الحكومي والتشتت المعلوماتي، فبسبب التنسيق الحكومي (المعلوماتي) تراجعت نسبة الشيكات المرتجعة، وتراجعت نسبة المماطلين في سداد الإيجارات، وتراجعت نسبة السعودة الوهمية، وهي وغيرها تتراجع في ظل مضاعفة التنسيق الحكومي الذي يؤكد سيادة القانون وسرعة تحديث المعلومات.
إنها البداية لـ ''صحوة حكومية''، ونحتاج إلى مزيد ومزيد من الحملات من الجهات الحكومية، على أن تكون تلك الحملات منسقة ومنظمة وتشن بصورة دائمة.. فشكرا للوزراء الأربعة وعساكم دائما على القوة.