مواطنو التقنية .. والثقافات الجديدة

التطور التقني العالمي العالي اليوم أدخل ثقافات جديدة حول التعريف الجغرافي لسكان الكرة الأرضية نتيجة التواصل الإعلامي الاجتماعي التقني واقتراب السلوك واللغة العالمية من بعضها البعض. ولم يعد مستغربا أن تجد ابنك الذي لم يتجاوز العشر سنوات وهو يلعب أو يتحدث أو يعمل مع عشرات الأشخاص من مختلف أنحاء العالم في الوقت نفسه وباللغة نفسها، اللغة التي تأخذ من كل لغات الدنيا شيئاً منها ولهذا فإننا اليوم نعيش بين جيلين، جيل ينتمي للتقنية وأصبح مواطنا من مواطنيها Digital Citizen وجيل يعتبر مبتدئا فيها أو كما يسمى مهاجرا إليها ويتلمس خطواته داخلها من أجل الانسجام مع جيلها.
لقد استوقفني حديث أحد الزملاء في ورشة عمل عن التقنية والتعاملات الإلكترونية عندما أعطي هذا المصطلح لإنسان هذا الزمان عندما ذكر أن التعامل مع التقنية أصبح بين جيلين، جيل التقنية والجيل المهاجر إليها، واستوقفتني كثيراً هذه الرمزية لما تحمله من مدلول خطير على ثقافة وانتماء أبنائنا في المستقبل القريب والسيطرة التقنية عليهم وعدم قدرتنا كجيل مهاجر أو أمي في التقنية على التعامل معهم والتعامل مع ما يملى عليهم من فكر وتوجيهات ذات أثر سلبي في دينهم وأخلاقهم خصوصاً عندما نرى الحجم الكبير للمواد ذات التأثير السلبي في السلوك والإيمان وانتشار الكثير من الأفكار الهدامة مثل عبدة الشيطان أو مصاصي الدماء أو غيرها من الرسائل التي يتم إرسالها للتغيير الفكري والسلوكي للشباب بشكل خاص ودفعهم لقبول أي فكرة جديدة دون الفهم السليم لأهدافها ومن يقف خلفها.
اليوم العالم لم يعد مساحة خالية لرمي الأفكار وتركها كيفما اتفق، وإنما هناك من يقود هذا العالم ويسعى إلى اختراق كل القيم والمبادئ التي حرصت كل الرسالات السماوية والمعتقدات الأرضية على تعزيزها ونشرها، هذا الاختراق للقيم والمبادئ الهدف منه هو جر العالم إلى فكر الرذيلة وعبادة غير الله في تحد واضح للقدرة الإلهية وهو ما يعمل عليه أعداء الدين منذ لعن الله سبحانه وتعالى اليهود بعد سنين من العفو والرحمة والتسامح معهم من أجل عبادة الله وحده سبحانه وتعالى.
لهذا فإنهم منذ ذلك الزمن وهم يعملون على هدم مكارم الأخلاق لدى البشر أجمعين اعتقادا منهم أنهم بذلك ينتقمون من الله الذي رفع رحمته ومغفرته عنهم ونقل رسالته منهم إلى العرب ببعث المصطفى عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة لتكون رسالته رسالة عالمية خاتمة لكل الرسائل النبوية، وخلال عقود من الزمن عملوا على التحكم في العالم من خلال التحكم في مصادر الثروات الطبيعية والاقتصاد العالمي وسعوا من خلال هذا التحكم إلى نشر القمار والربا في المعاملات المالية، ثم مع تطور الإعلام أصبحوا من كبار صناع الإعلام والمتحكمين فيه ونشروا الكثير من القيم الفاسدة من خلال إبرازها عبر الفنانين والمغنين وجعلوا منهم نماذج يقلدها الشباب من الجنسين ثم من خلال تلك النماذج جعلوا التدخين والشراب والجنس والتعري هو المهيمن على كل تصرفاتهم حتى أوصلوا الإعلام اليوم إلى ما هو عليه. ومع ثورة التواصل الاجتماعي جعلوا منه وسيلة لتحقيق أهدافهم وفصل أبناء الوطن عن وطنهم وإيجاد وطن جديد لهم بلغة مختلفة هو وطن التقنية، وأصبح جميع شعوب العالم خصوصاً من الشباب هم مواطنو هذا المجتمع الجديد حتى تسهل قيادته وتوجيهه بما يخدم مصالحهم والتي تصب في مسار واحد وهو ألا يوجد على الأرض شخص واحد يعبد الله دون أن يشرك به شيئا لمعرفتهم أن الله يغفر جميع الذنوب إلا الشرك لقوله سبحانه وتعالى ''إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء''.
لقد حرفوا الديانة المسيحية من خلال زعمهم أن عيسى عليه السلام ابن الله وقسموا المسلمين إلى سنة وشيعة، وأقنعوا الشيعة أن علي ولي الله، وجعلوا أتباعه يؤمنون بأنه إله. وهم اليوم يقودون سفينة الشباب من خلال كل وسائل التواصل الاجتماعي نحو عالم جديد هم يعملون عليه من أجل تحقيق حقدهم وحلمهم القديم وهو ألا يكون على وجه الأرض إنسان يعبد الله دون أن يشرك به.
دعونا نقف لثوان لنفكر في ذلك وثم نحدد ما يجب علينا القيام به لحماية ديننا وأبنائنا من الجنسين من هذا الاحتلال البغيض، ونغلق الباب على هذا الفكر الهدام ونقدم نموذجا جديدا للعالم أجمع يحمل أهم القيم التي بعث بها المصطفى عليه الصلاة والسلام لإتمامها لقوله: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق''، من خلال استثمار كل هذا التطور التقني العالمي العالي، ولعلي أستطيع في القادم من الأيام والمقالات أن أطرح بعض الآراء المعالجة للوضع، وفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي