خدمات التقنية لصحة أفضل

في القرآن الكريم وفي سورة ''الروم'' بالتحديد يحثنا - سبحانه وتعالى - على أن نعمل ونعمر الأرض بما حوته في مكنونها وكان من مكوناتها. هنا إشارة إلى أن يكون العمل دؤوبا لنستفيد مما انشغلنا به من حولنا في الأرض. السؤال هو: هل الانشغال بالدراسات العلمية وابتكار الأجهزة والأدوات والطرق والأساليب، والبحث عن حلول لما أشكل علينا فكريا أو عمليا هو من عمارة الأرض؟ وبما أن من المسؤوليات التي كلفنا بها الإحسان والعدل، أي إعطاء العمل حقه، فيؤدي بأمانة ويُجوَّد في إخراجه ولا نظلم فيه أحدا، فهل تتحقق السعادة التي نبحث عنها بعد ذلك؟
التفاسير ومن بعدها المؤلفات التي قضى مؤلفوها الوقت الطويل في التمعن والتأمل، كلها تشير إلى أن من عمارة الأرض الاستفادة مما وجدناه فيها وتسخيره لتسهيل حياتنا، حياة الكائنات التي تعيش على هذه الأرض وأولها الإنسان. وبما أن الانسان توصل للتقنية فبرع في صناعاتها واستخداماتها؛ حيث أصبحت إحدى هذه الأدوات التي جعلت الإنسان من مكانه يمكن أن يقطع آلاف الأميال، ويتواصل مع أهله ومعارفه أينما كانوا في هذه المعمورة، ويتعلم ويتدارس مع أساتذته، وهو بعيد عن مصدر الإفادة، ويصنع ملبسه ويوفر أفضل مأكله من آخر التقنيات التي وصل لها العلم، فإن استخدامها لم يعد خيارا بل ضرورة ملحة.
في الشأن الصحي كأحد الشؤون العامة المهمة في حياتنا أصبحت تقنية المعلومات بنية تحتية تجهيزا وتنظيما، ولا بد من الاندماج في هذه البيئة بكل السبل والوسائل. لأن في ذلك بداية لتسهيل حياتنا أصحاء كنا أم نشكو من علل. كيف يمكن أن نجعل حياة المريض والطبيب أسهل؟ هل هي بقصر فترة انتظار المواعيد أم بتوفير الأسرة في المستشفيات أم باستخدام تقنية المعلومات وتقنية الاتصالات أم بتكثيف الدراسات حول اجتماعيات المرضى أم بغير ذلك؟ هل نوصل الرسالة للقطاع الحكومي أم الخاص أم نتحمل جميعا مسؤولية تخفيف وطأة الحياة وقسوتها علينا إذا ما ساءت الظروف.
في البداية علينا ألا نخص أي جهة بالرسالة بل هي للجميع مؤسسة كانت أم أفرادا، أغنياء كنا أم فقراء. من ناحية أخرى، فيما يتعلق بفحوى المقال فكلنا الطبيب والمريض، وبقدرة القوي العزيز يمكن أن نتبادل المواقع لأن كل إنسان معرض للابتلاء ويمكن أن يفتن فيصبح الطبيب مريضا يداوي الناس وهو عليل. لذلك ليتنا نسعى لتسهيل الحياة على الطبيب والمريض كمبدأ نسعى له جميعا بهدف عمارة الأرض وتوفير الراحة لسكانها.
إن توفير التقنية لاستخدامها ابتداء من التعليم الجامعي ومرورا بالتدريب ثم تقديم الخدمة الصحية للمجتمع بجودة عالية أصبحا إجراءين متلازمين لا يمكن الفصل بينهما. فاليوم نرى أن الكادر الأكاديمي في كليات الطب المختلفة والعلوم الطبية الأخرى يتبنى هذه التقنية إلى درجة تجعلهم مستخدمين للمتوافر من تطبيقات، ومبتكرين لطرق تشغل الطلبة في دراساتهم وأبحاثهم. في الكليات المكرسة لجهودها في هذا الاتجاه يُتوقع أن تكون المخرجات أكثر قدرة وتمكنا بتعرضهم لمختلف الحالات، ولديهم المهارة لاستخدام ما تعلموه من معارف لأداء المهام بكفاءة عالية. في هذه المسارات العلمية بهذه البنى التحتية يمكن أن يفرز الجيد من غير الجيد ويعتمد على العارف ويحول مسار غير العارف لأنه لا يناسب هذا المجال وهذه المهن.
بتخرج هذا الممارس الصحي بهذه القدرات العالية مهنيا وتقنيا سيكون باحثا عن الرضا الشخصي لما يقدمه فيبذل قصارى الجهد في خدمة مرضاه، ولن يهدأ له بال قبل أن يشعر بأنه تقدم علما وقدم خدمة متميزة. إذا ما كان دأب الممارس هذا، فإن النظرة المادية لن تعكر له صفو حياته وتصعب عليه الوصول للرضا الوظيفي؛ حيث إن بهذا الاستقرار النفسي سيكون ما يلي ذلك عبارة عن قيمة مضافة تجعله يحصل على أكثر مما تأمله.
هنا لن يكون أمام مقدمي الخدمة سوى إتاحة أحدث الابتكارات العلمية في التقنيات الطبية وتقنية الاتصالات ووسائل النقل المجهزة بالكامل إلكترونيا فيسهل على هذا الطبيب أداء عمله، بل تجعله مبدعا فيه ويستفيد المريض من ذلك بتلقيه أفضل الخدمات.المرفق الصحي بذلك يكون مركزا متقدما للخدمة ومساندا في التدريب والبحث والتطوير ومرجعا في إتاحته سجلات المرضى لجميع الأطباء والمرضى وعلى أي جهاز ثابت أو محمول يخص أيا منهم. وإذا ما قدم هذا المركز أو غيره ممن تعهد تبني استخدام التقنية بشكل رئيس خدمات للرعاية الطبية المنزلية، فهو حتما سيعتمد على تقنية الاتصالات وكاميرات المراقبة المرتبطة بأجهزة جميع الأطباء المعنيين بالحالة للتسهيل على هؤلاء حياتهم وتحسين أنماط حياتهم الجديدة عليهم وعلى ذويهم. هؤلاء الذين سيقضون بقية حياتهم على السرير في منازلهم لن يكونوا معزولين أو مقطوعين عن أي خدمة طبية أو رعاية صحية عامة، بل سيشعرون بأن حياتهم باتت أسهل لتمكنهم من الاستفادة من الوسائل المتاحة ثابتة كانت أم حركية.
إن الإخلاص في العمل مع الإيمان بأن النجاح جماعي يجعلان الحياة لجميع مقدمي الخدمات الصحية أسهل، فأي المرافق الصحية تتبنى هذه المبادئ ليعيش الطبيب والمريض سويا حياة أسهل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي