السعوديون يقتحمون «يوتيوب» بديلا للسينما
في ظل استمرار عدم وجود دور للسينما في السعودية، ومع وجود نحو 84 في المائة من أفراد المجتمع يؤيدون وجودها كرافد ترفيهي في السعودية, يجد الغالبية العظمى من المشاهدين قنوات يوتيوب والبرامج التي تبث عن طريقها كمتنفس بديل لمناقشة همومهم ومشكلات حياتهم اليومية وحتى للترفية أيضا.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه البرامج على ''يوتيوب'' جرأة في الطرح لم يعتد عليها المشاهدون في القنوات التلفزيونية وبرامجها بشتى أنواعها.. ولجودة المحتوى المقدم فيها. وترى شريحة كبيرة من الشباب أن برامج ''يوتيوب'' أصبحت تناقش مشكلاتهم الحقيقية بعيدا عن المثالية التي يشاهدونها في القنوات التلفزيونية, وأن سقف الحرية في هذه البرامج يعتبر مرتفعا جداً, فضلا عن أنهم لا يلتزمون بوقت معين لمشاهدة أي برنامج بعكس برامج التلفزيون.
ويقول لـ ''الاقتصادية'' ماجد بن جعفر الغامدي رئيس رابطة الإعلاميين السعوديين في أمريكا وطالب الدراسات العليا في الإعلام ''في البداية نحتاج إلى أن نسترجع تاريخ السينما في السعودية, وذلك من خلال ما كتبه المؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول والذي استمر أكثر من 18 سنة وهو يكتب كتابه الشهير تاريخ السينما حيث يقول عن السينما السعودية التالي: ''كانت السعودية في 1965م الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يجهل سكانها رسميًّا كلَّ شيء عن السينما على الرغم من وجودها داخل المجمعات السكنية للموظفين الغربيين مثل موظفي شركة ''أرامكو'' والتي تعرض أحدث الأفلام وقتها'', ويضيف الغامدي:'' ثم بعد ذلك تم افتتاح الصالات السينمائية في السعودية خلال السبعينيات الميلادية عبر الأندية الرياضية وكانت للرجال فقط, وفي بعض السفارات الأجنبية والمنازل الشهيرة خاصة في جدة والطائف, إلا أنه كان عرضا عشوائيا يفتقد التنظيم والتهيئة اللازمة للمشاهدة والتسويق المناسب، والاختيار الجاد، على الرغم من أنها لم تدم طويلاً،
وتابع:'' الحدث الأهم هو في عام 1975 وهو إنتاج أول فيلم سعودي بشكل رسمي للمخرج عبد الله المحيسن وقد كان فيلماً عن ''تطوير مدينة الرياض'' وشارك به في مهرجان الأفلام التسجيلية في القاهرة عام 1976م, وبعدها استمر إنتاج الأفلام السعودية السينمائية على استحياء.
مع بداية الألفية الجديد اختلفت الأمور كثيراً من ناحية الارتفاع الكمي والنوعي.
ويؤكد الغامدي أن لجوء السعوديين إلى ''يوتيوب'' هو بسبب حقيقة السينما التي تعتبر أداة للتعبير عن أمور عدة ولذلك لجأ السعوديون إلى ''يوتيوب'' للتعبير عن احتياجاتهم في الحياة وعن مشكلاتهم وكيف يمكن أن يبثوها بطريقة درامية تعبيرية.
الجميل أن السعوديين - والحديث للغامدي - لم يكتفوا بأن يكونوا متلقين في عالم اليوتيوب بل كانوا منتجين وإيجابيين فالكثير من الأفلام على ''يوتيوب'' أنتجها شباب سعودي وبطريقة ذكية وإبداعية وهنا ظهرت المواهب والمهارات, وكأنهم يقولون ها نحن نستعد لمرحلة سينمائية قادمة في السعودية.
ويبين الغامدي أن هذا بدوره رفع نسبة المشاهدات في السعودية على المستوى العالمي، فقد جاءت السعودية في المرتبة الثالثة عالمياً في عدد المشاهدات ''يوتيوب'' في اليوم الواحد وذلك بعد الولايات المتحدة والبرازيل, وبناء على ذلك فالسعودية تتفوق على أمريكا في عدد المشاهدات للشخص الواحد, حيث يصل عدد المشاهدات للمستخدم الواحد في السعودية إلى أكثر بثلاث مرات من عدد المشاهدات للمستخدمين في أمريكا. وسبب تفوق أمريكا في إجمالي عدد المشاهدات هو الفرق الكبير في التعداد السكاني بين البلدين فعدد سكان أمريكا يزيد على 310 ملايين نسمة .. مقابل أقل من 30 مليون نسمة في السعودية.
ويرى الغامدي أن كثيرا من اليوتيوبيين السعوديين يهدفون إلى تبني مفهوم الفيديو القيمي من خلال الأفلام التي ترتكز على القيم والمبادئ والأهداف السامية وليست مقاطع ترفيهية فقط, بل هناك قيم تصل للمشاهد بطريقة غير مباشرة وتعزز لديه مفهوم الإيجابية في الحياة, ولذا نشدّ على أيدي المنتجين الذي يتبنون القيم بالاستمرار ونتمنى لهم المزيد من الإبداع.
ويختم الغامدي حديثه بقوله: ''مستقبلنا السينمائي السعودي متجه نحو الازدهار والتركيز على القيم النهضوية البنّاءة، والارتفاع عن سينما غرف النوم إلى سماء الأخلاق الفاضلة والمعاني الإنسانية الراقية, فالشعب يريد سينما القيم وبالطبع أداةُ ذلك شبابنا المتطلع للإبداع الفني وتألق دينه وأوطانه.
من جانبه يؤكد رياض سعد مؤسس ومدير المرصد السعودي للشبكات الاجتماعية لـ ''الاقتصادية'' أن الأرقام المفاجئة التي أعلن عنها المرصد السعودي للشبكات الاجتماعية والإعلام الجديد عن شهر أبريل اختلفت عن شهر مايو 2013، حيث دخلت مجموعة MBC ساحة المنافسة بقوة، وتصدّرت المركز الأول للمرة الأولى عن فئة قنوات وبرامج ''يوتيوب'' بعدد مشاهدات تجاوزت 800 مليون مشاهدة بعد أن كانت خارج القائمة، وبهذا تتقدم على تسع قنوات تأتي في مقدمتها قناتي ''أيش اللي'' بعدد مشاهدات بلغت 168.230.437 مشاهدة, ثم قناة صاحي 124.993.535 مشاهدة، وخرابيش 65.307.420 مشاهدة، ثم قناة لا يكثر بـ 60.771.673 مشاهدة, تليها قناة على الطاير بـ 54.909.422 مشاهدة, وقناة نو كوميدي 43.503.792 مشاهدة، والفئة الفالة 27.191.289 مشاهدة, وقناة فور شباب 25.473.279 مشاهدة, وأخيرا قناة تكي 15.975.738 مشاهدة.
بينما حصلت قناة ''يوش'' لأفلام الأكشن السعودية على 1.247.899 مشاهدة من خلال تقديمها لأربعة أفلام ذات طابع درامي فريد من نوعه.
وفي آخر دراسة أجرتها مجلة فوربس في الشرق الأوسط في عدد شهر أيلول (سبتمبر) 2012 أكدت من خلالها أن السعودية تتصدر البرامج العربية الأكثر شعبية على ''يوتيوب'', وأن 25 برنامجا الأكثر شعبية على ''يوتيوب'' أنتجت خصيصا للعرض عبر الموقع حققت ما يقارب 443.5 مليون مشاهدة، ونحو 326.7 مليون مشاهدة أي ما يعادل 73.6 في المائة من العدد الإجمالي للمشاهدات كان من نصيب البرامج السعودية، في حين حظيت البرامج الأردنية بـ 105 ملايين مشاهدة والبرامج المصرية بـ11.7 مليون مشاهدة, وتصدرت السعودية من خلال سيطرتها على 17 مركزا من القائمة.
وبحسب الأرقام والإحصائيات فإن موقع ''يوتيوب'' يشهد نحو 167 مليون مرة مشاهدة مقاطع فيديو يومياً في المنطقة العربية، ما يضعها في المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة، وأمام البرازيل. وازداد عدد مرات المشاهدة في المنطقة بنسبة 120 في المائة خلال الأشهر الستة الأخيرة وذلك بحسب تقارير أكدها برنامج الحوكمة والابتكار في كلية دبي للإدارة في عام 2013, ويجري رفع ما يعادل ساعة واحدة من الفيديوهات إلى ''يوتيوب'' في الدقيقة الواحدة في المنطقة العربية.
وقد أعلن موقع ''يوتيوب'' أن عدد مستخدميه بلغ مليار شخص شهريا، أي ما يعادل واحدا من بين كل اثنين من مستخدمي الإنترنت تقريبا في أواخر شهر مارس 2013, مؤكدا أن انتشار شبكات البيانات فائقة السرعة عبر العالم والتوافر المتزايد للهواتف الذكية المتصلة بالإنترنت ساعد مليارات الأشخاص على الاتصال بالشبكة العنكبوتية, وساهمت شهرة بعض المقاطع في زيادة المشاهدات على اليوتيوب، وجلبت أكثر 1.45 مليار مشاهد حتى الآن. وأشار إلى أن الجهات الإعلانية أصبحت ضمن أفضل 100 علامة تجارية تدير حملاتها الترويجية على الموقع، مبينا أن هناك زائرا واحدا لموقع ''يوتيوب'' من بين كل اثنين يستخدمان الإنترنت, وأن نسبة المشاهدة كل شهر تعادل عشرة أضعاف جمهور دوري كرة القدم الأمريكية تقريبا, وإذا كان الموقع يعد بلدًا، فسيحتل هذا البلد المركز الثالث بين أكبر بلدان العالم بعد الصين والهند.
ويتجاوز عدد ساعات الفيديو التي تتم مشاهدتها كل شهر على الموقع أربعة مليارات ساعة، ويتم تحميل 72 ساعة من الفيديو كل دقيقة، وتبلغ نسبة الزيارات من خارج الولايات المتحدة 70 في المائة من إجمالي نسبة الزيارات على الموقع، وتتوافر ترجمة في 53 بلدًا وعلى مستوى 61 لغة.
وفي عام 2011، تجاوز عدد المشاهدات أكثر من تريليون مشاهدة أو بمعدل 140 مشاهدة لكل شخص على الأرض تقريبا, وتبلغ نسبة المشاهدات على الموقع من أنحاء العالم عبر أجهزة الجوال 25 في المائة, ويبلغ عدد مشاهدات الأشخاص للموقع للجوال مليار مشاهدة يوميًا. وتضاعفت نسبة الزيارات الواردة من أجهزة الجوال إلى ثلاثة أضعاف خلال عام 2011.
وبعد إنشاء موقع ''يوتيوب'' في عام 2007، أصبح هناك ما يزيد على مليون منشئ للمحتوى من خلال أكثر من 30 بلدًا من أنحاء العالم، حيث يحققون مكاسب مالية عن طريق مقاطع الفيديو التابعة لهم، ويستخدم آلاف المعلنين ضمن البث, كما أن 65 في المائة من الإعلانات أصبحت الآن قابلة للتخطي.
هذه الأرقام حولت أنظار المعلنين في العالم إلى برامج اليوتيوب وإنتاجياتها، حيث وجد أن أفضل 98 حملة إعلانية من أصل 100 نشرت إعلاناتها عبر هذا الموقع، ما يمهد الطريق أمام البرامج العربية أن تكون حاضرة بقوة في هذه الصناعة الجديدة, وبالطبع فإن الأرقام والإحصائيات تشهد ارتفاعات قوية باستمرار.
من جهته، يؤكد لـ ''الاقتصادية'' يوسف الهزاع الإعلامي السعودي ومدير تحرير صحيفة إيلاف الإلكترونية في الخليج، أن لجوء السعوديين إلى مشاهدة البرامج والأفلام على ''يوتيوب'' يعزى لكونها متوفرة بحسب وقت المشاهد، فهو يكيّفها على جدوله اليومي فضلا على أنها مجانية, ويرى أن نسبة انخفاض مشاهدة التليفزيون منذ انتشار هذه البرامج ليس كثيرا ولكن بالطبع أثرت.
ويضيف :''لا أعتقد أن عوائد التلفزيون تأثرت أبدا، بل وفق ما أعلم أن التلفزيون يحقق عوائد ترتفع باستمرار، وفي رأيي أن صناعة برامج ''يوتيوب'' تعتمد في الأساس على صناعة التلفزيون وما يقدمه التلفزيون, وأن تأثير ظهور هذه البرامج على المسلسلات التليفزيونية وخاصة مسلسلات رمضان هو تأثير غير مباشر, بمعنى ربما تقل مشاهدة برنامج معين على التلفزيون ولكن البرنامج نفسه سيحظى بمشاهدة عالية على موقع القناة في ''يوتيوب'' ولذلك ستكون الفائدة مركبة بالنسبة للقناة.
من جانبه، يقول عبد الله آل هيضة الصحافي السعودي في صحيفة إيلاف الإلكترونية، إن تزايد أوقات فراغ الشباب هو السبب في لجوء السعوديين إلى مشاهدة البرامج والأفلام على ''يوتيوب''، ويضيف: ''وجدوا متنفسهم في هذه البرامج التي تحكي عنهم ولهم بصورة مباشرة دون رقيب يقصقص لهم الشكوى لتصبح حمامة رضا'', مشيراً إلى أنها تحقق نسبة كبيرة من العائدات وهذا شيء إيجابي، كونها توفر روافد عديدة في سبيل محاربة البطالة وتوفير فرص العمل.
ورغم أن هذه البرامج توفر للمشاهدين فضاء مختلفا عن تقليدية منهكة إلا أنها في الوقت ذاته تحقق آمالا وتطلعات لشباب واعد يقفز كل يوم بشكل مختلف للأفضل ولذلك هم يستحقون دعمنا.
ويضيف آل هيضة: ''كنت أتوقع أن يعاني التليفزيون عزوف المشاهدين وبالتالي خسارة القنوات ماديا خاصة في ظل انخفاض العائدات المالية للقنوات بسبب قوة الانتشار التي تحققها هذه البرامج حاليا, ولكن بنسبة أقل, واليوم تحقق شيء مختلف مع عزوف الداعمين عن برامج ''يوتيوب''. سمعت خلال الآونة الأخيرة جذب القنوات التلفزيونية لأبطال هذه البرامج وخاصة أنهم يقدمون المحتوى ذاته الذي اعتدنا على رؤيته مع برامجهم اليوتيوبية، وأصبحت الشاشة الفضية من جديد حاضنتهم، وبذلك سيحققون ما تمليه عليهم هذه القنوات سواء كانت حكومية أو تجارية، وربما أننا سنفتقد بعضا من الجرأة والحياة المختلفة التي كانت منتهجة هناك''. ويرى آل هيضه أن هذه القنوات اليوتيوبية لن تؤثر في المسلسلات التليفزيونية وخاصة مسلسلات رمضان فما يزال التلفزيون هو القبلة الأولى، وربما يكون اليوتيوب منسيا في هذا الشهر، لأسباب عديدة لعل أحدها أن برامج ''يوتيوب'' غير قادرة حتى اليوم على منافسة التلفزيون في البث بشكل يومي، إضافة إلى الإغراء الكبير لأولئك النجوم ليكونوا على مشاذيب تقليدية الإعلام رغم تجدده البطيء.