الدراما العربية في رمضان طوق النجاة من هموم السياسة

الدراما العربية في رمضان طوق النجاة من هموم السياسة

الدراما الرمضانية هذا العام مزيج مختلف نوعاً ما عما نشاهده كل عام فهناك الكوميدي والاجتماعي والسياسي، ولكن الغالب على الدراما تلك المسلسلات التي تحمل الطابع الديني السياسي بمعنى تأثرها بالواقع الذي نعيشه ولهذا فهناك سمة تقارب حقيقي بين الاثنين الدراما والواقع فهما لا ولن ينفصلا بفضل مناقشة الأولى للواقع وكيف أنها تُؤثر فيه وتتأثر به وسيظل الرابط حاضراً بين الاثنين في جميع النواحي، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل سيتقبل المشاهد تلك الأعمال بمعنى إقحام المناقشات السياسية في الدراما؟ أشك في ذلك وخصوصاً أن هناك الكثير ممن ضاقوا بأخبار السياسة وبرامج التوك شو بكل أشكالها وبات منهم من يبحث عن الجديد الذي يجد فيه السعادة أو حتى نوع من التغير لكى يلتف متشوقاً لشيء يشغله عما يدور حوله.
ومع كل هذا التراجع السلبي في الحياة السياسية والمشاهدات الدراماتيكية التي نراها مباشرة يومياً على الكثير من الفضائيات نجد أيضاً غزارة ملحوظة في الإنتاج الدرامي حتى يكون هناك مواءمة لكل الأفكار وتنوع يتوافق مع كل ذوق، ومؤكد أننا سنرى نوعين من المشاهدين منقسمين ما بين متابع لشكل معين من الدراما مثل تلك التي تناقش سياسة ومنهم من سيحجم عنها وهنا مربط الفرس فلماذا الإحجام وما سببه؟ السبب هو تلك اللعنة السياسة التي أصابت الكثير وأصبحت الشغل الشاغل للناس فالصغير قبل الكبير أصبح علي وعى ودراية بما يحدث ناهيك عن برامج التوك شو ''الذراع السياسي للسياسة'' كما يقولون ويطلون علينا يومياً في مواعيد محددة لا مفر منها ليقدموا لنا المناقشات والصراعات والضيوف هذا الذراع السياسي للحزب الفلاني وآخر للحزب المضاد وهذا المتحدث الإعلامي وهكذا دواليك إلي نهاية السهرة مهزلة حقيقية تدمر المشاهد. والمشكلة أن الكرة تعاد مرة أخرى مع بداية يوم سياسي آخر أقصد يوم جديد لخبايا التوك شو السياسي والهدف الأساسي المُعلن هو الاطمئنان على أحوال الأوطان ومع مرور الوقت تزداد نسبة البغض عند المشاهد لما يسمعه ويشاهده يومياً لهذا يأتي رمضان بانفراجة لتفتح القنوات ذراعيها مرة أخرى وتُدخل يدها في جراب عميق لتُخرج لنا المسلسلات والبرامج علي كل شكل ولون ونحن لنا الخيار نتابع هذا ولا نتابع ذاك منتهى الخصوصية والأريحية في مشاهدة ما يروق لنا من تلك الأعمال التي تملأ الفضائيات ليلاً ونهاراً ومنها العرض الأول وغدا الحلقة تعاد مرة وأكثر. الكل يتبارون لإسعادناً لذا سنرى حالة مزاجية مختلفة وإحساسا رائعا وأنت ترى كم الأعمال الدرامية والبرامج وما عليك سوى الجلوس والمتابعة فهل سيكون مع كل هذه العروض الجذابة والشيقة وقت لمتابعة السياسة من قرب؟ فقط من بعيد مجرد فضول لما يحدث وينتهي الأمر عند هذا الحد لهذا قلصت البرامج السياسية في أوقاتها من ساعات مفتوحة للبث المباشر إلي ساعة أو نصف ساعة ليصبح الوقت تحت أمرنا وتتلاشى معه هموم السياسة مؤقتاً، ولا ننكر وجود فعلي لعدد لا بأس به من المشاهدين الذين يلهثون بحثاُ وراء الخبر السياسي حتى يكون على دراية بما يدور حوله ولكن إذا تسلل الضيق لصدره سيذهب لمتابعة عمل أو برنامج يُنسيه تلك الهموم لذا ستبقى الدراما عالقة في أذهان الناس دوماً فهى أداة للترفية والخروج من الملل والجيد منها هو الذي يفرض نفسه علي المشاهد بالقصة التي يناقشها وليضع نصب عينيه أنه يخاطب عقولا متفتحة صارت واعية لا عقولا خاوية فعلى صناع الدراما عدم اللعب على وتر الانفلات والتعصب بمشاهد أعدت خصيصاً لهذا مليئة بالقتل والضرب وتجارة المخدرات والراقصات وهناك من يروجون للعنف وهنا لابد لنا من وقفة نطالب فيها بالعمل بطريقة مهنية والأمثلة على ذلك كثيرة ووجب على القائمين على تلك المنظومة الرضوخ لآراء الأغلبية من الناس والإتيان بالمعاني الجميلة ووضعها عنواناً لمسلسل درامي بعيداً عن هموم السياسة ودهاليزها التي لا تنتهي، إنني أتساءل هل سيكون عمر السعادة قليلا وينتهي الشهر الكريم لتعود السياسة وتطل علينا بوجهها القبيح وبما تحمله من فرقة ونزاع؟
ليت رمضان طول العام مقولة ما نرددها ولكننا الآن في حاجة لها أكثر من أي وقت مضى ليس فقط لمتابعة الأعمال الدرامية ولكن لما في هذا الشهر من روحانيات تنسينا هموم الدنيا قليلاً ومؤكد أنها ستجنبنا الوجبة اليومية من الصراعات المباشرة وأشخاص لا هم لهم سوى المجادلة ليس عندهم رحمة بالمشاهد. هذا عن السياسة، ولكن ينتظرنا عدو أكبر بعد انتهاء الشهر الكريم ومع بدء البرامج السياسية ستعود المسلسلات التركية لغزو القنوات لتأكل الأخضر واليابس أو بمعنى آخر تضع الطلاسم على عقول المشاهدين وتريهم عادات غريبة عن عالمنا العربي والذي يفتقد نوعية دراما تتحدث عنه هو لا عن تلك العوالم التي تحمل في طياتها أشياء بعيدة كل البعد عن واقعنا.
أخيراً وبعد سماعنا من أشخاص يودون إيقاف كل الأعمال الدرامية العربية لكى لا نبعد ولو قليلاً عن الواقع السياسي ونظل داخل المشهد المعهود القاسي نقول له ''اتركنا وحتما سنعود بكامل إراداتنا''.

الأكثر قراءة