مركز البيضاء نموذج للتنمية (2 من 2)

تقديم نموذج تنمية مركز البيضاء المعتمد بعد توفيق الله على المشاركة المجتمعية من بداية الفكرة وخلال مراحل التنفيذ، وتغيير مفهوم إدارة التنمية من المفهوم الرعوي إلى المفهوم المعتمد على المشاركة بالفكر والرأي والتنفيذ، ومركز البيضاء يمثل نموذجا تنمويا لا يملك الكثير من المقومات، ومع ذلك قدم كأسلوب عمل لما يمكن عمله في ظل أقل الإمكانات المتاحة، وكيف أن هذا الأقل يمكن أن يغير من حياة سكان الموقع نحو الأفضل بإذن الله.
يهدف المشروع إلى مساعدة أهالي المركز على تأسيس نظام اقتصادي محلي دائم يعتمد على دعم الموارد المائية والبيئية والاجتماعية وهو ما يعرف بالتنمية المستدامة، كما يهدف المشروع أيضا إلى رفع المستوى المعيشي وتوطين الأهالي في مركزهم والحد من الهجرة من القرى والمدن الصغيرة نحو المدن الكبيرة، وفي الوقت نفسه تحقيق هدف تطوير أنظمة بناء وزراعة ورعي وتوفير المياه بشكل مستدام، هذه الأهداف مجتمعة تمثل التفعيل الإيجابي للعمل المتكامل بين القطاعات المختلفة، وتعزز من دور المواطن في رسم الرؤية التنموية التي يجب أن تكون عليها مدينة أو قرية، وهو ما عززته استراتيجية تنمية منطقة مكة المكرمة التي بنيت على محورين أساسيين هما بناء الإنسان وتنمية المكان.
لقد أكدت استراتيجية منطقة مكة المكرمة على أهمية تفعيل دور المواطن في المشاركة في وضع الرؤية التنموية للمنطقة بكل تفاصيلها، وأكدت على دور الشباب في هذه التنمية التي سوف تصبح بإذن الله بعد أعوام بسيطة واقعا تنمويا، هذا الواقع يتطلب المشاركة الفاعلة من جميع القطاعات والأفراد، ولهذا بدأت برؤية مشتركة من الجميع ثم تطورت خلال مراحل متعددة وبنفس روح المشاركة، حتى تم عرض الاستراتيجية بكامل محتوياتها خلال طرحها من قبل سمو أمير المنطقة وبحضور أكثر من خمسة عشر ألف مواطن ومواطنة.
إن أخذ نموذج مركز البيضاء كنموذج تنموي متكامل وبشراكة متكاملة بين القطاعات الأساسية من حكومية وخاصة وجمعيات خيرية، وبدعم فكري للقطاع الأكاديمي سوف يحقق إن شاء الله النقلة التنموية التي سوف تغير من الكثير من الأفكار التنموية السائدة حاليا في منهجنا التنموي المحلي، ومركز البيضاء يبعد عن حدود الحرم المكي نحو 44 كيلو مترا غرب مدينة مكة المكرمة، ولا يتجاوز عدد سكانه الألفين، كما أن الموقع تتوافر فيه بعض الخدمات الأساسية التي تعتبر نواة للتطوير، إضافة إلى أن الموقع يملك مقومات تنموية داعمة للفكرة الأساسية، وذلك لجودة التربة وصلاحها للاستثمار الزراعي وما يرتبط به من استثمارات مساندة، خصوصا أنها تسمح بتخزين المياه الجوفية المستمدة من إنشاء مصائد أو سدود المياه والسدود الجوفية، إضافة إلى أن المواقع القريبة من منطقة الدراسة تملك مقومات اقتصادية طبيعية يمكن توجيهها لصالح فكرة المشروع مع فكرة استخدام الطاقة الشمسية، إضافة إلى الاستفادة من محطة وادي عرنة لتغذية الموقع بالمياه المعالجة الصالحة للزراعة، وتربية الماشية وما يرتبط بهما أيضا من صناعات مستقبلية.
إن فكرة مشروع تطوير مركز البيضاء التي بدأت فعليا بجهود أهالي المركز من خلال إنشاء مصائد لمياه الأمطار وتطوير ما يسمى بالزراعة الصحراوية الانتقالية والعمل على تجهيز عدد من المساكن النموذجية مع توفير متطلباتها من المرافق والخدمات العامة واستخدام وسائل التقنية الحديثة في بداية مرحلة التطوير حتى يتزامن ذلك مع المتغيرات التقنية الحديثة، والعمل على إيجاد فرص عمل من خلال تطوير الموارد المتاحة وجعلها تنسجم مع القدرات والكفاءات البشرية الموجودة حاليا في الموقع المختار، وتطوير تلك الإمكانات والقدرات مع الوقت للوصول بها نحو ما نأمله من تنمية شاملة ومتوازنة ومتوازية تحقق العمل التنموي التعاوني المؤهل للكفاءات البشرية في المجالات التنموية المختلفة التي تعين على جذب وتوطين الاستثمارات المستقبلية في المركز، والتي تساعد على زيادة المردود الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الاستمرار في ضخ مزيد من فرص العمل في المركز، وتكون نموذجا تنمويا يمكن استنباط الكثير من الدروس المستفادة منه في تطبيقها في مواقع أقرب، ودعمها بالمزيد من الأفكار والرؤى التنموية التي تبنى عليها. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل:
«وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي