السمنة .. وعافية المدارس (2)
بالنسبة لصحة الفم والأسنان فهذا موضوع آخر، حيث يرتبط استهلاك السكريات والشوكولاتة بزيادة الأوزان ومشكلات صحية أخرى مثل تسوس الأسنان. ومع أن تسوس الأسنان موضوع درس وبحث ثم طرق على صفحات الوسائل الإعلامية المقروءة إلا أنه منذ أكثر من 12 عاما في المملكة وما زالت نسبة الانتشار بين أطفال المدارس ثابتة تقريبا على مدى كل هذه السنين، لذلك فحالات البدانة لا بد أن تواجه ببرامج جدية وحازمة لتهيئة المناخ الصحي المناسب للطلاب والطالبات في مدارسهم من الآن فصاعدا.
يتضمن برنامج تعزيز الصحة في المدارس محورا يتعلق بالصحة النفسية. في اعتقادي أن هذا المحور لا بد أن يحاط باهتمام كبير. فإصرار اليافعين على عدم الحركة أو تناول الأغذية ذات المكونات المسببة لزيادة الوزن تعني حاجة هذا اليافع إلى أن يفكر بطريقة أفضل. فإذا ما غير نمط حياته وتعامل بجدية مع غذائه صحيا فحتما سيكون هو شخصيا رسالة لغيره إذا حقق نتيجة تشد انتباه أقرانه. هذا يجعل طلاب المدرسة التي يدرس فيها في تحد مع أنفسهم فيستميل بعضهم بعضا فتكون المدرسة بأكملها ذات سمة تتناقل أخبارها باقي المدارس، خصوصا إذا ما قامت بجولات لا صفية في المنطقة أو خارجها. وإذا ما شجع ذلك المدارس الأخرى فعلاً، فحسابيا يمكن القول إنه تم إنقاص وزن أو تثبيت أوزان أكثر من 60 ألفا من الطلاب والطالبات خلال عام واحد. وهذا في حد ذاته إنجاز يشجع على الاستمرار فيه ويمكن خلال خمسة أعوام أن نرى الفرق. لكن لنكن علميين في هذا المجال ونقوم بهذه الأنشطة بأسلوب علمي فنوجه الأبحاث والدراسات مبدئيا لفئة عمرية، أو مساحة قطاعية، أو مستوى معيشي، أو ما أشبه لتدلل النتائج على تعاظم مفهومنا لمسببات ومشكلات السمنة وانتشارها في مجتمعنا الغض. ومن ثم وضع الخطط الملائمة للمكافحة.
فما نبحث عنه هو الإبداع بالفكر الممكن تبنيه لتقديم أفضل الخدمات في أسرع وقت وبأنجح وسيلة تضمن تحقيق النتائج المستهدفة.
نحن اليوم في حاجة إلى:
(1) تبني المعلمين والمعلمات لنمط حياة سليم لأنهم قدوة.
(2) أن يقوم الشاب والشابة بدورهم في المجتمع في الأعمال التطوعية لأنها تكسبهم مفاهيم جديدة في الحياة فتكون تحركاتهم مبنية على الفكر والمنطق.
(3) أن كون المدارس مباني نموذجية وتنتشر الملاعب الرياضية العامة في كل المحافظات تحت إشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب والشؤون البلدية والقروية والتربية والتعليم. بحيث تفتح للعامة لمزاولة الرياضة فرديا أو جماعيا.
(4) أن تتميز المدن الساحلية بمزاولة الرياضات البحرية المختلفة والصيد، فبعض الدراسات تشير إلى سكان المدن الساحلية لطبيعة حركتهم في ارتياد البحر والصيد وتناول وجبات صحية منذ الصغر فهم أكثر لياقة وأفضل من حيث الـ (BMI أوBVI).
(5 إعادة تأهيل معامل الكيمياء والأحياء والفيزياء في مدارس مراحل الدراسة المتوسطة والثانوية والاستفادة منها في التجارب فعليا بدلا من تراكم الغبار فيها وخسارة أجهزتها بعد تقادمها من دون استخدام. أن تعلم بعض القواعد الأساسية في كيمياء الغذاء وما يتكون أو يترسب وما يتحلل أو يتفاعل سيحفز الطلبة في هذه الأعمار على إعادة توازن المفاهيم عبر التجربة ''والتجربة أكبر برهان''.
(6) التنسيق مع هيئة الغذاء والدواء لتتم زيارة معاملها والتعرف عمليا على كيفية تحديد ماهية وكمية المواد السامة والضارة بالجسم وكيف يمكن تخليص الجسم منها وتجنبها. هذه الأنشطة والتجارب عادة ما تجذب الشباب والشابات لتصفح الإنترنت للقيام بشيء مماثل، أو تصوير أفلام توعوية قصيرة أو التواصل مع الجمعيات الرسمية لتشكيل فرق مكافحة السمنة وطنية التوجه بسيطة التكاليف لا تسعى إلا لإصحاح أبدان شباب الأمة.
قد يكون من المهم توزيع التعاميم، وتأمين الأدوات الإسعافية، وتخصيص ممرضة لكل مدرسة، ونشر مليون نسخة من النشرات الدورية أو غيرها. لكن الأهم هو إمكانية وقابلية التطبيق والدراية بماهية الظروف المختلفة التي تتطلب اتخاذ اللازم بشكل صحيح ومناسب في الوقت المناسب. يقول كثيرون لقد حضرنا مؤتمرات، وأسهمْنا في ندوات، وشاركنا في ورش عمل، وزرنا معارض، وقمنا بالجولات وحرصنا على إعداد برامج للتوعية بأضرار السمنة، لكن ما زالت السمنة مشكلة كل مدرسة. قبل عامين كان هناك حراك كبير لهيئة الأمم المتحدة صحيا وتعليميا وخرج المجتمعون بتوصيات عديدة جدا لامست معظمها كبد المشكلة، لكن ذاب التنفيذ بملامسته أرض الواقع. هل لأننا نريد حشو كل مفهوم توصلنا إليه في مناهج مقررات الدراسة بمراحل الدراسة الأولى؟. أم أننا اهتممنا بالرياضيات عن الرياضة؟
نحن بذلك سنقدم لأنفسنا (مسلمين وعرب) خدمة عظيمة أمام المجتمع الدولي، لأن التقارير التي ستقدم للمنظمات الدولية متواترة، ودقيقة، وذات مصداقية عالية، وتحتوي على فكر وإبداع أبناء هذا الوطن الكريم في ابتكار الآليات التي تتناسب وحاجتنا في المملكة، ويمكن تبنيها لمن شابهت ظروفه أنماط معيشتنا. كما تنم عن أننا نولي هذا الموضوع أولوية كبيرة، فالتلاحم بين الجهات الخدمية المختلفة كبير ومتكامل، وما توجيه هذه البرامج نحو هذه الفئات العمرية إلا جزء من التنمية الشاملة.