مشروع القطارات «حتى لا نفشل مرة أخرى»

حينما طبق لدينا نظام النقل العام متمثلاً في النقل الجماعي فشل فشلاً ذريعاً, فلم يتمكن من جذب الناس إليه ولا حتى ليكون بديلاً مؤقتاً عن سيارتك المعطلة، وكانت الحافلات تسير في الطرقات شبه خالية، على الرغم من أنها حافلات من الماركات العالمية المشهورة الباهظة الثمن، وكان الجميع يتفق على أنه مشروع فاشل بكل المقاييس، ولم تكن له أي فرص تذكر كي يتحول إلى مشروع ناجح، مشروع يغطي على الأقل مصروفاته التشغيلية، وعلى الرغم من إجراء بعض المحاولات كي ينجح، مثل جعل الحافلات لوحات إعلانية متنقلة فإن المشروع كان خاسراً ولم تكن له أي فرص حقيقية للنجاح، والجميع كان يعتقد أن مشاريع النقل العام بشكل عام هي مشاريع فاشلة في بلادنا نظراً لاعتمادنا الكلي على السيارات الخاصة، وأننا لم نصل بعد إلى كثافة سكانية تؤهلنا لبناء مشاريع النقل العام، وهذا في وقت من الأوقات كان كلاماً مقبولاً، حيث لم تكن الشوارع مزدحمة بدرجة تجعل من الضروري إيجاد الحلول المناسبة لها.
والآن ونحن نستعد لتكرار تجربة النقل العام عن طريق القطارات يجب علينا أن ندرس جميع العوامل التي تؤثر في نجاح أو فشل ذلك المشروع ومن أهمها توزيع المحطات جغرافياً بما يجعلها في متناول منازل الناس وأماكن عملهم وتجعلك تصل بسهولة إلى الأماكن التي ترغب أن تذهب إليها، إن تحديد أماكن المحطات يجب أن يتم بدراسات عميقة تتمكن خلالها من تحديد الأماكن المثالية لإنشاء المحطات بحيث يكون من المريح الوصول إلى المحطات لأكبر نسبة ممكنة من الناس أو من الشريحة المستهدفة، وإذا لم تفعل ذلك فإنك تقلل وبشكل كبير فرص المشروع بالنجاح، إن اختيار أماكن المحطات هو أحد الأسس المهمة في أي مشروع من مشروعات النقل العام لأنه حلقة الوصل بين منزل الراكب ووسيلة النقل وبين وسيلة النقل والأماكن التي يرغب الراكب في الذهاب إليها، فإذا كانت المحطات بعيدة عن منزلك بطريقة تجعلك تتكبد مشقة كبيرة للوصول إليها أو أن المحطات بعيدة عن الأماكن التي ترغب في أن تذهب إليها باستمرار فتكون مشقتك كبيرة للوصول إلى تلك الأماكن، وبالتالي فإنك لن تستمر في استخدام وسيلة النقل وستبحث عن وسيلة نقل أخرى حتى لو كانت تكلفتها أكبر، وهذا بالضبط ما يجعل تحديد عدد المحطات وأماكنها عملاً مهماً جداً ويؤثر بشكل جوهري في جميع مشاريع النقل العام.
وهناك عامل آخر مهم جداً، وهو الطريق بين منازل الركاب المستهدفين والمحطات، فيجب علينا أن نرصف الطرق للمشاة بين منازل الناس ومحطات القطارات، فبالوضع الحالي لا يمكن أن تقطع مشياً على الأقدام مسافات معقولة بين منزلك وأقرب محطة مفترضة، إن رصف الطرق للمشاة أحد أهم مقومات نجاح النقل العام ومن دونه لن تستطيع أن تجعل الناس يصلون براحة إلى محطات النقل، إن هذه العوامل هي العوامل الحقيقية التي سيكون لها التأثير الأكبر في فرص نجاح المشروع.
ويجب علينا قبل كل ذلك أن نحدد من نريد منه أن يستخدم القطارات كوسيلة رئيسة لتنقله بين مختلف الأماكن التي يريد أن يذهب إليها، ومن نريد منه أن يستخدم القطارات كبديل مؤقت عن سيارته المتعطلة. إنك حين تنظر لمشروع القطارات في دبي مثلاً ستجد أن تلك القطارات قادرة على أخذك إلى حيث تريد كسائح، وأنا شخصياً جربت ذلك واستطعت أن أستغني عن التاكسي في دبي، وكي أكون منصفاً لعدة أيام فقط، فهناك أماكن سياحية لا يصل إليها القطار، ولا أعتقد أننا كسياح خليجيين مستهدفين كركاب في تلك القطارات.
إن مشروعاً مثل مشروع استخدام القطارات للنقل العام مشروع مكلف للغاية، ويجب ألا نجازف بإنشائه قبل أن نعد الدراسات التفصيلية الكاملة عنه بما يجعلنا مطمئنين لنجاحه وتحقيقه الأهداف الموضوعة، ويجب أن تغطي تلك الدراسات جميع الجوانب من منزل الراكب المستهدف إلى الأماكن التي يرغب في الذهاب إليها، أرجو أن يكون المشروع ناجحاً ولا يتكرر سيناريو النقل الجماعي، فمشروع القطارات مشروع ضخم لا يحتمل الفشل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي