الحضانات من متطلبات عمل المرأة
كنا في السابق نربي أبناءنا في المنزل، حيث كانت نسبة كبيرة من الزوجات يجلسن في المنزل لتربية أطفالهن ويتمتعن بلقب ربة منزل, وكان الأزواج هم من يخرجون إلى العمل وهم من يتولون الإنفاق على العائلة, وكانت للمرأة في ذلك الوقت مجالات عمل محدودة مما زاد من صعوبة إدخال المرأة إلى سوق العمل, وجعل مشكلة الاعتناء بالأطفال مشكلة لم تصل إلى مستوى ظاهرة يجب على المجتمع أن يتدخل لحلها, وكانت النساء العاملات المتزوجات يجدن حلولهن الشخصية للاعتناء بأطفالهن في أوقات العمل, فمنهن من يتركن أطفالهن لدى خادمة تستحق الثقة, ومنهن من يرسلن أطفالهن إلى منزل الجدة, ومنهن من يتركن العمل للاعتناء بالأطفال بعد أن أخفقت كل الجهود في إيجاد طريقة آمنة لفعل ذلك وقت العمل.
والآن وقد تغير الوضع وزادت نسبة النساء العاملات في مختلف المجالات, وجميع المؤشرات تدل على أن تلك النسبة سوف ترتفع وتزداد في المستقبل, حيث أصبحت المرأة تعمل في المستشفيات والأسواق والشركات وأصبحت لها مكانة مرموقة في سوق العمل حتى وصلت إلى مجلس الشورى, وأصبح عمل المرأة من المسلمات بل، ومن الغريب أن تجد امرأة لا تعمل, وأصبح لقب ربة منزل من الألقاب الغريبة بعد أن كان يحظى بشعبية كبيرة لدى معظم الناس, من الواضح أن المجتمع يتغير بشكل إيجابي وسيكون فيه دور مهم للمرأة, دور تكون فيه حقا نصف المجتمع, ويكون ذلك النصف منتجا كالنصف الآخر.
ولذلك التغير متطلبات يجب علينا أن نوفرها, من أهمها توفير عناية آمنة للأطفال في الوقت الذي يكون فيه الأبوان منشغلان في أعمالهما, وأن نجد حلولا عملية لتربية الأطفال في تلك الأوقات الطويلة نسبيا حيث إنها تقع في الأوقات التي يكون فيها الأطفال مستيقظون وليس في أوقات نومهم, فيجب علينا تعليمهم ما يجب أن يتعلموه حسب أعمارهم المتفاوتة, كما علينا أن نوفر كوادر مؤهلة لذلك حتى نضمن التفاعل الإيجابي مع الأطفال في مختلف الحالات ومن أهمها حالات مرضهم و ما يحتاجون إليه من جرعات الدواء فيها.
ولتحقيق ذلك علينا أن ننشئ الحضانات الدائمة والمؤقتة, وأقصد هنا بالدائمة التي نرسل إليها أطفالنا بشكل يومي مستمر وتعتني بأطفالنا طوال فترة العمل, أما الحضانات المؤقتة فهي الحضانات التي يجب أن تنتشر في الأسواق المركزية لكي يستطيع الأهل أن يتسوقوا بحرية وفي الوقت نفسه يتمتع الأطفال بوقت ممتع وجميل.
وعلينا أن نزرع الثقة بتلك الحضانات لأن الأهل سيودعون فيها أغلى ما يملكون وأي خطأ فيها قد يكون كارثيا ويجعلها مشاريع فاشلة بامتياز, فلا نبخل بعدد العاملات فيها فيكون عددهن كبيرا نسبيا, ونوفر فيها كل ما يلزم للاعتناء بالأطفال بمختلف الأعمار, فتلعب تلك الحضانات دور الأم بالرعاية والاهتمام، ودور الممرض في منح جرعات الدواء وحتى اكتشاف أن الطفل مريض- أقصد هنا ارتفاع الحرارة وما شابه، ودور المعلم, وعندها ستعمل تلك الحضانات بكفاءة وسينتشر خبرها لدى الجميع.
وأنا أرى أن مشاريع الحضانات الدائمة والمؤقتة من المشاريع المهمة التي يجب أن تدعمها الدولة بشكل كامل, فتعتني بها اعتناءها بأهم الشركات لديها, وتوفر لها الدعم المادي المطلوب إلى أن تستطيع أن تكون مشاريع تجارية مربحة, لأن نشاطها يتعلق بأهم كنوز الدولة المتمثل في أجيالها المستقبلية, فتستطيع تلك الحضانات أن تستقطب لها منذ البداية الكوادر المؤهلة تأهيلا علميا رفيعا, وتجهز مقارها بتجهيزات ذات مستوى رفيع, فتجد فيها ألعابا مخصصة لرفع مستوى الذكاء لدى الأطفال, وتجد فيها صفوفا لتعليم القراءة والكتابة قبل الدخول إلى المرحلة الابتدائية, وتجد أن تلك الحضانات مجهزة بكل ما يحتاج إليه الطفل خلال فترة مكوثه فيها, فتكون بمستوى الحضانات في الدول المتقدمة من حيث التجهيز, وتكون خطوتنا في هذا المجال خطوة إضافية يكون فيها المجتمع أكثر تحضرا, وبذلك يلبي المجتمع حاجة بالغة الأهمية لدى الآباء والأمهات العاملات, نقصها سيعود على المجتمع بجيل لم نوفر له الرعاية والاهتمام اللازمين.
من المعروف أن الدولة دعمت مشاريع كثيرة اعتبرتها استراتيجية مثل زراعة القمح و قطاع الاتصالات – قبل خصخصته – وحتى النقل العام، ألا يستحق مشروع تربية أبنائنا دعما خاصا؟ أعتقد أنه المشروع الأهم الذي يستحق ذلك.