الفضائيات العربية في العيد .. لا جديد
الفضائيات العربية في العيد بلا جديد، مقولة حتمية ولا بد منها في ظل ما نراه من تكرار يشمل كل ما هو معروض على تلك الفضائيات، التي لم تحاول الخروج للمشاهد العربي بروح جديدة تُخرجه من جو الجمود والرتابة التي اعتاد عليها طوال الفترة الماضية، وبالتحديد الفترة الفاصلة بين شهر رمضان وعيد الأضحى، وامتلأت فيها الشاشات بالأخبار التشاؤمية التي مل منها المشاهد، على أمل أن يكون العيد فيه جديد يُشعره بالسعادة، حتى وإن كانت وقتية، ولكنه خابت آماله مع التكرار،
وأنه لا مفر من متابعة الشاشة في العيد، بل إنها أصبحت النافذة الوحيدة في وقت تمر فيه بعض الدول العربية بأجواء لا تشجع على الخروج والتنزه بسبب ما تحتويه من صراعات سياسية وحظر للتجوال ومشكلات أمنية، فكان لزاماً علينا مطالعة بعض من تلك الفضائيات بهدف تكوين تحليل مختصر عن برامجها، فوجدت أن ما تنوي عرضه من أعمال في العيد مُجرد ''سد خانة'' لا أكثر ولا أقل. وهنا تكمن المشكلة الأكبر من قبل تلك الفضائيات التي لم تستغل هذه الفرصة وتفعل أقصى ما في وسعها، كي تُسعد من اعتاد على تثبيت الريموت على شاشتها، هذا ما ظهر جلياً بعد متابعتها وتحليل خريطة برامجها في العيد، فهناك قنوات اعتمدت البث المباشر للخروج من هذا المأزق، وذلك بعرض فعاليات التجمعات في العيد وبث لبعض البرامج التي تعتمد على الاتصال المباشر للتهنئة بالعيد، والدخول في مسابقات بهدف الربح كما هو الحال كل عام، وفضائيات أخرى عربية مثل قناة أبو ظبي وقناة إم بي سي اعتادت التنوع من قبل طوال العام ببرامج وأعمال فنية مختلفة، ولكن خلال تلك الفترة تَحصر نفسها في عرض بعض الأعمال التركية وبعض الحفلات والجلسات الخليجية الغنائية المسجلة من قبل، وبعض المظاهر الأخرى من فعاليات للناس في الشارع، وتعرض أيضاً صوراً حية من المشاعر المقدسة التي يتوق لها كل مسلم وينتظرها من العام للعام، ولكنها وقعت هي الأخرى مع تنوعها في فخ التكرار.
هناك العشرات من الفضائيات الدينية تعرض تلك الصور على مدار اليوم، ناهيك عن البرامج الدينية منها المؤهلة وغير المؤهلة للإجابة عن أسئلة الحج، التي بدورها أصبحت بلا فائدة تذكر، لأن الحجيج مشغولون بأداء المشاعر المقدسة وإتمام مناسك الحج خاصة، وليس لديهم فرصة لمشاهدة هذه البرامج. وبالرجوع للفضائيات العربية التي تهدف في الأساس للترفية، نجدها تهوى التكرار سواء برامج أو أفلام مستهلكة عرضت آلاف المرات ومسرحيات للفنانين عادل إمام وسمير غانم وأحمد بدير وغيرهم كثير، التي حفظها المشاهد عن ظهر قلب.
وسنجد أيضاً الفنان داود حسين يطل علينا ببعض أعماله الكوميدية المعروفة ولكنها تكررت كثيراً، وبالتحديد على قناتي دبي وفنون الكويتية، والطامة الكبرى تلك البرامج التي تستضيف الفنانين الذين لا يملون ولا يكلون من الظهور على الشاشات في مختلف المواسم بهدف المادة لا أكثر ولا أقل، ولمن لا يُعجبه هذا الكلام يشاهد برنامج ''ريهام على النار'' الذي تقدمه الفنانة ريهام عبد الغفور، أو على القناة نفسها ''الحياة المصرية''، وبدون إرهاق في البحث سيجد أيضاً برنامج سهرة العيد التي ستقدمه رزان مغربي وتستضيف فيه الفنانين أحمد آدم و صلاح عبد الله وأشرف عبد الباقي، فسيسمع مجرد أحاديث تندرج تحت بند الذكريات سبق أن صرحوا بها من قبل، فما الهدف إذن من استضافتهم غير تلميع المذيعة التي بعدت عن الساحة كثيراً بسبب ما تعرضت له من انتقادات سابقاً، وتلميع الفنانين ومنهم أحمد آدم الذي يُعرض له برنامج على القناة نفسها. بالفعل نحن أمام مسرحية هزلية تصنعها بعض الفضائيات العربية بما تُحدثه من استخفاف بعقل ووقت المشاهد بعرضها برامج جديدة ولكنها مستهلكة، وأخرى قديمة نجحت من سنوات تعيد بثها بهدف الاستفادة منها مرة أخرى جماهيرياً، أما قنوات الأغاني فما تفعله سهل ويسير، فمجرد تبديل المحتوى من أغانٍ شبابية لأغانٍ دينية اعتقدت نفسها قدمت الجديد.
وبنظرة فاحصة على بعض القنوات المعروفة عربياً ولها اسم، نجد أن أغلبها وقع في فخ التكرار والرتابة، فكل ما فعلوه من إلغاء لبرامج التوك شو والبرامج الإخبارية خلال أيام العيد، لم يجعل من محتواها مادة ثرية للمتابعة، وكان من باب أولى لهم أن يتم التحضير لفقرات جديدة نوعاً ما لجذب المشاهد الذي سيحجم عنهم بمتابعة بعض قنوات الأفلام المغمورة التي اعتادت أن تأتي بسيل من الأفلام الحديثة بهدف جذب المشاهد للعرض الأول لتلك الأفلام، وآخرون ربما تقتصر متابعتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مثل اليوتيوب الذي يعرض كل ما هو جديد وموقع الفيس بوك وما فيه من بوسترات معايدة، والأهم من هذا هو موقع تويتر الذي سيمتلئ هو الآخر بالتعليقات والتغريد بهدف المعايدة. وهناك الكثيرون من هواة السفر اختاروا هذا البديل للترفية عن أنفسهم بعيداً عن تلك البرامج وغيرها التي أرهقت الناس من كثرة إعادتها، وهناك نوعية أخرى نأت بنفسها عن كل هذا بمتابعة الأفلام الأمريكية سواء على قنوات مفتوحة أو مشفرة، المهم أنها اختارت ما يُمتعها ولتُعزي القنوات نفسها لأنها السبب الرئيس في بعد جمهورها عنها، ولكن دائماً يوجد بصيص أمل في بعض الفضائيات الأخرى التي تبعث على التفاؤل وتحاول إرضاء مشاهديها، وأغلب تلك القنوات تأتي ببرامج جديدة ومنوعة ولكن إلى متى سنظل تحت رحمة التكرار والملل اللذين أصابانا بخيبة الأمل، ومع ذلك يظل الأمل مع متابعة قنوات التلفزيون السعودي في هذه الأيام المباركة، وسنجد وقتها فقرات روحانية من المشاعر المقدسة تبعث على الطمأنينة والراحة النفسية. فبرغم أن القنوات الأخرى تقدم ما يعرضه التلفزيون السعودي، لكننا نجد أن ميزة القنوات السعودية هي اللقطات الحية المباشرة من داخل المشاعر، التي تنقلها فيما بعد الفضائيات لتعرضها على شاشاتها.
في المجمل هناك نوع من الخمول تتسم به الفضائيات العربية، ليس وليد اللحظة ولكنه هكذا منذ سنوات، فهي تضع كامل تركيزها في موسم معين وتتهاوى بالتكرار باقي أيام السنة، مع العلم بأننا لا ننتظر الكثير ولكننا نريد الجديد والأهم، ما يبعث على السعادة وهذا ما نطالب به القنوات الإخبارية أيضاً من خلال التخفيف من وطأة ما تعرضه من قتل ودمار خلال هذه الأيام المباركة.