رحل صوت الجبل المتوهج وترك أغانيه«الصافية»
نعت كل الدوائر الفنية والعربية، وتابعت وسائل الإعلام موت الفنان وديع الصافي ''صوت الجبل'' كما يلقبونه مساء الجمعة الماضية. رحل الصافي عن الحياة عن عمر يناهز 92 عاما بعد صراع طويل مع المرض. عاش وديع الصافي طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان، وربما هذه الحالة هي التي صنعت منه نجما متوهجا وله صيت، فأحياناً كثيرة يأتي النبوغ نتيجة البحث والجد المتواصل ليخرج الإنسان من حال إلى حال. هذا ما حدث مع وديع الصافي الرائد في الأغنية اللبنانية، وصاحب الطلة الموسيقية التي ميزته عن غيره وجعلت منه أيقونة ووساما على صدر كل فنان عربي يفتخر به أينما كان، وتحديدا الفنانين اللبنانيين لأنه كان سببا رئيسا في انتعاش الأغنية اللبنانية.
بدأ الفنان الراحل وديع الصافي في عام 1930 عندما نزحت عائلته إلى بيروت، ومن ثم التحق بعدها بمدرسة دير المخلص الكاثوليكية، وكان الماروني الوحيد في جوقتها والمنشد الأوّل فيها. بعدها بثلاث سنوات اضطر للتوقّف عن الدراسة لأن جو الموسيقى طغى على حياته ومنذ انطلاقته الفنية سنة 1938 حاز المرتبة الأولى لحنًا وغناء وعزفًا من بين 40 متسابقا في مباراة للإذاعة اللبنانية أيام الانتداب الفرنسي في أغنية ''يا مرسل النغم الحنون'' للشاعر نعمة الله حبيقة. وكانت اللجنة الفاحصة حينها مؤلّفة من ميشال خياط، سليم الحلو، ألبير ديب، ومحيي الدين سلام الذين اتفقوا على اختيار اسم وديع الصافي كاسم فني له نظرًا لعذوبة وصفاء صوته، فكانت إذاعة الشرق الأدنى بمثابة معهد موسيقي تتلّمذ فيه وديع على يد ميشال خياط وسليم الحلو اللذين كان لهما الأثر الكبير في مسيرته الفنية إلى أن بدأ يشق طريقا للأغنية اللبنانية التي كانت ترتسم ملامحها مع بعض المحاولات الخجولة قبل بداية الصافي عن طريق إبراز هويتها وتركيزها على مواضيع لبنانية وحياتية ومعيشية بحتة.
وقد لعب الشاعر أسعد السبعلي دورًا مهمًّا في تبلّور الأغنية الصافيّة وكانت البداية مع أغنية ''طل الصباح وتكتك العصفور'' عام1940 لتستمر رحلة الغناء الصافي مع العديد من الشعراء خاصة أسعد السبعلي، ومارون كرم، وفيلمون وهبي، وتعاون مع العديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني، وزكي ناصيف، وعفيف رضوان، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش.
هكذا ظل وديع الصافي يغني ويحمل هموم بلده لبنان على كتفيه من خلال الغناء لها، وهو الذي طالما صرح بأن بلده أعز عنده من أي شيء، على الرغم من أنه يحمل ثلاث جنسيات أخرى غير اللبنانية.
خضع سنة 1990 لعملية قلب مفتوح ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني في التلحين والغناء، فعلى أبواب الثمانين من عمره لبّى الصافي رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس لإحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه مع المغني خوسيه فرنانديز، وكذلك المطربة حنين، فحصد نجاحاً منقطع النظير ليعيد وهج الشهرة إلى مشواره الطويل. هذا هو الصافي الذي أخذ على عاتقة الوقوف إلي جانب المواهب الجديدة ومساندتها ليصبح بذلك رائداً في الغناء والتلحين والتجريب الموسيقي، وهو من أكثر الفنانين الذين استهواهم ذلك بهدف إدخال روح جديدة إلى عالم الغناء الذي عاش له وودعه ليصبح مثالاً يحتذى به لأجيال من بعده. رحل وديع الصافي ولكن أغانيه العذبة ما زالت باقية ونرددها، ومن منا لا يتذكر أغنيته الرائعة على رمش عيونها قابلني هوا ''.