استراتيجية الخدمات الصحية .. استراتيجية في طور الولادة

بعد عام أو يزيد سنكون أمام أعداد كبيرة من المرافق الصحية التي ستكون جاهزة للدخول في الخدمة سواء مدنية أو عسكرية، حكومية أو أهلية. لا شك أنها استمرار لجهود مباركة من قبل أجهزة القطاع بأكمله، ولكن هي محصلة دعم غير محدود من قبل ولاة الأمر - يحفظهم الله - للقطاع الصحي. ليس هذا فحسب، بل إن مستويات تقديم الخدمة والقيام بإجراء العمليات النادرة في المرافق الصحية المختلفة لدليل على تحقيق قفزات طويلة للخدمات الصحية تتطلب حضورا إداريا قويا ورصدا ماليا يعوض النقص إلى حين تتم تغطيتها على نحو مثالي بالقوى العاملة ''الوطنية''. في ظل كل هذا الحراك يقوم مجلس الخدمات الصحية منذ نحو عشر سنوات بجهود كبيرة للتنسيق والربط وتنظيم تقديم الخدمة ومحاولة تعميم المعايير وتطبيقها ... إلخ. وبعد إضافة مهام جديدة للمجلس وتوسع الخدمات وتطوير آلية العمل بدا واضحا أن هناك حاجة لوجود فروع ببعض المناطق الكبيرة في المملكة تساعد وتساند الجهاز المركزي في أداء مهامه وتسريع عجلة التقدم. من ذلك يتبادر للذهن طرح ثلاثة أسئلة هي كالتالي: (1) ما الذي دعا الى طرح مثل هذا المقترح؟ و(2) لماذا الآن؟ و(3) كيف يمكن الاستفادة من الفروع بشكل يدعم توجه استراتيجيات النظام الصحي؟
في البداية مع أن المجلس عبارة عن الغطاء المنظم لتقديم الرعاية الصحية في المملكة إلا أنه غطاء قام بجمع وحصر وإعداد قواعد بيانات لكثير من الإجراءات وليس كلها، وجمع مقدمي الخدمات الصحية لمناقشة المفترض سيره حسب الاستراتيجيات وأمامه جدول عريض ليتممه. وأقام ويقيم ورش العمل والمحاضرات، لمحاكاة الإجراءات المساندة ومحاولة القيام بالدراسات التي تحتاج لوقت طويل لتكون في قمة تنفيذها وعطائها في الوقت المفترض أن تنتهي فيه. وبما أن اعتماد المنشآت الصحية ما زال يحتاج لعزيمة أكبر من قبل الجهات والمعلومات الصحية أمامها خريطة طريق صعبة والأبحاث العلمية تحتاج لربان سفينة وغير ذلك من المهام، فإن أهمية توافر فروع تنفيذية بالمناطق الكبيرة تكمن في القضاء على كثير من الإجراءات واختصار طرق تستغرق الوقت الطويل لإنجازها. هذا بخلاف موضوع الموارد البشرية وإعدادها وتخصصاتها وتوافرها بالنسب التي تحددها كل جهة في إطار المعيار العام لمعدلات العاملين بكل مرفق صحي.
من ناحية أخرى، ما زال المجلس يحاول جاهدا تنظيم إجراءات العمل داخل كل مرفق صحي ليتم التنفيذ حسبما قرر له، ولكن كيف له أن يقيس ما إذا كانت هناك فجوة أو خلل؟ من المعلوم أن تطبيق الصحة الإلكترونية في برنامج الحكومة الإلكترونية سيكون وسيلة لرفع مستوى كل خدمة معلوماتية كانت أم صحية. وبما أن إدارة المعلومات الصحية تحتاج لخطة واضحة المعالم ومحددة الزمن ودقيقة في تفاصيلها فإن العنصر البشري هو محور الاهتمام. فبعد أكثر من عشر سنوات في هذا المدار يظل المتحقق يعكس مدى أهمية ذلك لدى المرافق الصحية ومديريها مما يعيدنا للإعلان الذي يشير إلى أن بحلول عام 2014 سيشارف مشروع تطوير أقسام المستشفيات بالنسبة للسجلات الطبية الإلكترونية على الانتهاء. هذا سيجعل المجلس يتربع على قواعد بيانات متكاملة وصامدة وهي قابلة للتحديث بكل يسر وسهولة كل عام.
أما من ناحية الدراسات التي يعول عليها أن تدفع بكل عمل نحو الازدهار والتطور والرقي فهي للآن نتيجة ما تمت مناقشته وتداوله وطرحه في غرف مديري الأجهزة المختلفة المقدمة للخدمات الصحية أو المسؤولين بذلك الجهاز وبالتالي تحتاج لاستراتيجية فكرية وإدارية. هذه الاستراتيجية يتم فيها تحديد الأولويات وآليات التنفيذ وحجم التمويل وتحديد مصادره ''للاستدامة طبعا''، وغير ذلك من متطلبات كتطبيق معايير الجودة مثلا. هنا يمكن القول إن القيام بذلك من داخل الصندوق سيكون خاليا من الإضافة النوعية التي يمكن أن تبرز دور الشركاء البارز من الأطراف كافة. كما يمكن أن يعكس إيجابية استقطاب متميزين على المستوى العالمي لوضع الأفكار في قوالب علمية منهجية ومهنية طبعا تكون نتيجتها زيادة أعداد المراكز الطبية العلاجية المتميزة في المنطقة إن لم يكن على مستوى العالم، وضبط الأمراض ونواقلها وأسبابها على نحو غير مسبوق، ووضع النظام الصحي السعودي في الخريطة على المستوى العالمي.
في سؤال: لماذا الآن؟ فالجواب طبعا: لأن الوقت قد حان، بعد أن أنيطت بالمجلس مهام جسام، وتوسعت مجالسه المختلفة ومراكزه من حيث اعتماد المنشآت الصحية وإجراء الأبحاث والدراسات العلمية الصحية، وإدارة المعلومات والسجلات الصحية، وترميز الأمراض والأعراض، إضافة إلى تنفيذ سياسات وإجراءات الاستراتيجية الصحية في التطبيق العملي للخدمة بكل جهاز. كل هذه المهام تحتاج إلى أن تكون إدارة المجلس من خلال تسلسل يساعد في توفير المعلومات لصناعة أفضل القرارات والإشراف على ومتابعة التنفيذ في الوقت نفسه. إن الوقت يستوجب إعادة النظر في كيفية إدارة المرافق عبر أجهزتها، تحت مظلات محلية ترفع بتقاريرها لا أن تعود بالكامل للمركز فيكون القرار وإجراء الحوار معرضين للخروج عن المسار .. وللحديث تتمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي