ضعف مخرجات التعليم .. هل المعلم هو المشكلة أم الحل؟

تتداول الأوساط التعليمية- والمجتمع عامة- حديثها المستمر عن ضعف مخرجات التعليم ويصل الحديث إلى التساؤل عن دور المعلم في ذلك الضعف، وهل هو المشكلة أم هو الحل؟ وهذا يرتبط بتساؤل آخر وهو ما قيمة دور المعلم؟ وهل له تأثير في تحصيل الطلبة؟ وعلى العموم ليست هذه التساؤلات خاصة بمجتمعنا ولا بمجتمع دون آخر، أو خاصة بجيل دون آخر، بل إن الحديث عن هذه التساؤلات يتم تداوله من سنين مضت. فعلى سبيل المثال قبل أكثر من 45 سنة وتحديداً في عام 1966 قام باحثون غربيون بمحاولة للإجابة عن هذه التساؤلات بأسلوب بحثي؛ فأجروا تحليلاً لنتائج أكثر من 600 ألف طالب و60 ألف معلم في أكثر من أربعة آلاف مدرسة، وتوصلوا إلى نتيجة رقمية أكثر دقة في تحديد حجم أثر المعلم، مفادها أن المدرسة والمعلم لهما أثر في تحصيل الطلبة وذلك بمقدار 23 درجة تقريباً، بمعنى أن الطالب الذي يقوم بتدريسه معلم جيد سيتفوق بما يقارب 23 درجة على الطالب الذي يدرّسه معلم ضعيف. تؤكد هذه النتيجة بأسلوب علمي وجود فرق بين المعلم الجيد والمعلم الضعيف، وتحديد مدى قوة تأثيرهم في تحصيل الطلبة. ومع هذا استمر الباحثون يراجعون تلك النتائج حتى عام 1997، حيث قامت مجموعة من الباحثين بمراجعة وتحليل درجات أكثر من 100 ألف من الطلبة في مئات المدارس ليستخلصوا نتيجة مفادها أن العامل الأهم من حيث التأثير في تعلم الطلبة هو المعلم، وأن تطوير فاعلية المعلمين أهم وأجدى من تطوير أي عوامل أخرى.
إن هذه النتيجة المبنية على أساس علمي يجب أن تؤصل في تصوراتنا قناعة ثابتة أو مسلّمة لا تتغير وهي حجم الدور الذي يمكن أن يلعبه المعلم كصانع للنجاح في مسيرة الطلبة ومستقبلهم العلمي، وهذه النتيجة تتوافق مع ممارساتنا التعليمية وقناعاتنا الذاتية عند اختيار مدرسة لأولادنا، فنبحث عن المعلم الجيد والمعلمة الجيدة؛ لأن لهما أثراً واضحاً خاصة في الصفوف الأولية، فالأثر ملموس ويمكن ملاحظته في قدرتهم وتطور مهاراتهم في القراءة والكتابة. بل تتوافق تلك النتيجة مع ما يمكن أن نسترجعه في ذاكرتنا من معلمين أكفاء كان لهم الأثر الكبير في تعليمنا وتوجيهنا وربما في اختيار مستقبلنا.
من جانب آخر، واستشهاداً بالممارسات العالمية لمحاولة حجم الدور الذي يقوم به المعلم وكيف يمكن له أن يجعل تعليم بلده منافساً للدول المتقدمة؛ فقد تساءل مسؤولون أمريكيون عن سبب تفوق فنلندا عالمياً في التعليم فأرسلوا وفداً في العام الماضي 2012 لاستطلاع أسباب هذا التفوق، وانتهت زيارتهم بتقرير منشور أكدوا فيه أنه لم يكن لفنلندا أن تصبح الأولى عالمياً لولا وجود معلمين مميزين ونظام تعليمي جذاب لهم، وكان هذا النظام نتيجة لجهودهم في السبعينات حين أعدّوا نظاماً تعليمياً متكاملاً يقوم في أصله وجوهره على كفاءة عالية للمعلمين وكفاءة أكثر تميزاً لمعلمي المرحلة الابتدائية. ويتضمن التقرير المنشور معلومات ثرية لكن لفت نظري ما دونوه أن المعلمين في فنلندا يقومون بالتدريس من ثلاث إلى أربع ساعات فقط يومياً ويقضون بقية اليوم الدراسي في الإعداد والتطوير، ثم ختموا التقرير بقولهم يجب على أمريكا أن تتعلم الدرس وتستفيد من فنلندا!
إذن المسلّمة التي يجب أن يتفق عليها المجتمع بجميع مؤسساته وأفراده أن المعلم الجيد له قدرته وتأثيره المباشر في تحصيل الطلبة أكثر من تطوير الكتاب أو تحسين المدارس أو الوسائل والمباني، وعليه يجب أن يتفق المجتمع كذلك على أن يعطيه الأولوية عند تطوير التعليم، وينبني عليه كذلك أن يتم توجيه الاستثمار النوعي في إعداد وتطوير معلمين أكفاء. لأنه حين يتردد المجتمع مؤسسات وأفراداً في الإيمان بأن مفتاح النجاح الأقوى هو المعلم؛ فإننا قد ندفع الثمن غالياً ويبقى التعليم يستنزف المقدرات والجهود في مشاريع وجوانب ليست لها الأولوية وأحياناً قد تكون ثانوية لإقناع ذواتنا بأن التعليم يتطور.. لكن الحقيقة التي قد نتفاجأ بها بعد مضي الزمن أن تصبح العاقبة مزيداً من ضعف الأجيال وهزالها ليصبحوا عبئاً على المجتمع بمؤسساته الحكومية والأهلية ويكتوي الوطن بنار التسرب والبطالة وازدياد معدلات الجريمة بأنواعها. وحينها سيتبرأ الجميع مؤسسات وأفراداً من المسؤولية وسيبحثون عن المتسبب في المشكلة، وقد يتجهون للمعلم على أنه المشكلة، بينما حقيقة الأمر الذي أدركته الدول المتقدمة أن المعلم هو سرّ الإنجاز ومفتاح النجاح! فهل نستثمر هذا المفتاح ونقوم بتسخير المشاريع لتطوير فاعلية المعلم أولاً حتى نفخر ونفاخر به جيلاً إثر جيل أم نضيع هذا المفتاح فلا نجد لتعليمنا مخرجاً؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي