السعودية والاستثمارات الأجنبية
تقرير سهولة ممارسة الأعمال لعام 2014، الصادر عن البنك الدولي، يضع السعودية في المرتبة رقم 26، من بين 189 بلداً. لكن في عام 2011 فقط حصلت السعودية على المرتبة رقم 11 في هذا النوع من التصنيف. فهل يعني هذا أن السعودية أصبحت مكاناً أقل ترحيباً بالاستثمار؟
ينبغي ألا تؤخذ مثل هذه التقييمات مأخذ الجد الزائد على الحد، على اعتبار أنه يمكن التلاعب بها لإعطاء نتائج مختلفة في أوقات مختلفة من قِبل البلدان التي تريد نتائج مفضلة عن النتائج التي يعطيها المسؤولون عن المؤشرات من حيث التغيير في المنهجية. بما في ذلك السعودية سواء ارتفع تصنيفها أو انخفض.
من الصعب أن نصدق أن السعودية التي حصلت في عام 2011 على تقييم يجعلها من أفضل البلدان في سهولة تنفيذ الأعمال، ثم خلال ثلاث سنوات أصبحت أصعب بأكثر من ضعف التقييم السابق في سهولة ممارسة الأعمال. مثل هذا التفاوت يجعلنا نشكك في سلامة هذه المؤشرات وصحتها.
السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو إذا ما كان من السهل أصلاً أن تقوم وتمارس أعمالاً تجارية في السعودية. الجواب السهل على ذلك هو أن هذا الأمر أصبح أخف صعوبة على مدى السنوات، لكنها بعيدة كل البُعد عن تقييمات البنك الدولي. يمكن أن يجادل البعض بأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية ارتفعت من 120 مليار ريال في 2005 إلى أكثر من 630 مليار ريال في 2011. ذهب معظم هذه الاستثمارات إلى قطاعَي البتروكيماويات وتكرير النفط بسبب الدعم اللامحدود للطاقة، في الوقت الذي كانت فيه أسعار النفط ترتفع لتسجيل أرقام قياسية جديدة، وقطاع الإنشاءات بسبب بناء البنية التحتية للسعودية في السنوات الماضية والسنوات القليلة المقبلة.
تم تحقيق إنجازات في تطوير بيئة تنافسية للأعمال والمساعدة في جلب الاستثمار الأجنبي المباشر، لكن بيئة الأعمال للمستثمرين المحليين لا تزال صعبة جداً وشبه طاردة. مثلاً إنشاء شركة أو بناء مصنع أمر يستهلك وقتاً كبيراً للغاية على اعتبار أنه لا توجد مؤسسة واحدة للتعامل من خلالها، وزد على ذلك البيروقراطية القاتلة على عكس المستثمر الأجنبي.
وإذا كنتَ شركة صغيرة أو متوسطة فإن القدرة على الاستفادة من الائتمان من البنوك تعتبر تحدياً، فكان الله في عونك!
النفط والغاز المستخدم في اللقيم، والكهرباء، والماء، والأرض، والعمالة الأجنبية الرخيصة، والائتمان الحكومي شبه المجاني، وحوافز أخرى ساعدت على إدخال معظم الاستثمارات الأجنبية.
لا بد من إجراء تحليل لكفاءة التكاليف والقيمة المضافة والمضاعفات المالية لكل الاستثمارات الأجنبية في البلاد، من أجل تقييم المنافع الحقيقية التي يحصل عليها الاقتصاد. هل تحصل السعودية على قدر يقل كثيراً عمّا تقدمه للمستثمرين الأجانب، وهل القيمة المضافة إلى الاقتصاد تفوق كثيراً ما تقدمه الدولة؟
إن الاعتماد على المواد الرخيصة بسبب الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر للطاقة بجميع أنواعها، أمر غير قابل للاستدامة إطلاقاً، ولا يمكن أن يكون حافزاً. الجزء الأكبر من الدعم الحكومي المقدم للمستثمرين الأجانب ينتهي المطاف به إلى أن يذهب للتصدير دون قيمة حقيقية مضافة للاقتصاد المحلي، على اعتبار أن كثيراً من هذه المشاريع موجّه للتصدير ما يعني تصدير الدعم للخارج!
حتى الآن لم تقدم الاستثمارات الأجنبية أي نوع من المساهمات الكبيرة في التنويع الاقتصادي بعيداً عن المواد الهيدروكربونية أو حتى المساهمة في التطور المتوازن.
مرَّ نحو ثماني سنوات على إطلاق برنامج المدن الاقتصادية الهادفة إلى تعزيز الميزات التنافسية للمملكة، وتنويع الاقتصاد، وخلق وظائف جديدة للمواطنين، والمساهمة في التطوير الإقليمي. لكن هذه المدن لا تزال في مراحل مبكرة وبعيدة كثيراً عن الوصول إلى أهدافها، بل حتى بعضها لم يتم إنشاؤها إلى يومنا هذا على الرغم من تدخُّل الدولة لإنقاذ هذه المدن من الفشل من خلال تقديم قروض حسنة وميسرة والدعم الهائل.