الشراكات المهنية
يؤسس الأفراد الأعمال، وتبنى الشراكات عندما تتلاقى الرغبات في تأسيس عمل مشترك، وينمو ويكبر العمل بفضل من الله وتوفيقه، ومن ثم يستمر أو يتعثر، ومع الإيمان الكامل بالقضاء والقدر، ولكن تبقى دائما هناك أسباب لعدم استمرار الشراكات وزوالها. وعلى مستوى النشاط التجاري هناك قصص نجاح كثيرة وكذلك قصص فشل. ومن غير المستغرب أن ترى بيوتا تجارية عريقة في السعودية، قامت على أساس شراكات فردية، ومن ثم حققت هذه الشراكات إنجازات تخطت حدود منطقة الخليج، وهناك شراكات تجارية أخرى لديها إمكانات لتنمو حتى على مستوى عالمي.
ويأتي العمل المهني، كأحد الأدوات الاقتصادية المهمة التي يخدم فيها المهنيون قطاعات مختلفة من المجتمع، فالمحاسب القانوني يخدم القطاع المالي، والمحامي يخدم قطاع الأعمال بشكل عام، وهكذا كل يعمل فيما يخصه.
وقد أسست الكثير من المكاتب المهنية عدة شراكات مع بعضها بعضا وهناك شواهد كثيرة على نجاحها. وقد بدأ كثير منها من خلال أفراد أسسوا مكاتبهم المهنية وامتدت بعدهم حتى أصبح بعضها ذا حضور عالمي. وحتى الأخرى التي لم تصل إلى حدود العالمية كان لها حضور قوي في بلادها، وهناك أمثلة كثيرة لمكاتب المحاسبة ومكاتب المحاماة التي لها من القوة والسمعة ما لا يقل ولا يختلف عن المكاتب ذات الوجود العالمي. وليس هذا فحسب وإنما امتد عمر الشراكة فيها إلى عدة عقود من بعد زوال مؤسسيها.
ومن الملاحظ أن كثيرا من المهنيين في السعودية يؤسسون مكاتبهم ويحققون نجاحات كبيرة جدا كأفراد، ولكن قلة منهم فقط ينجحون في تحويل مكاتبهم الفردية إلى شراكة ناجحة تمتد إلى فترات زمنية طويلة تتغير فيها الملكية دون تغيير لاسم المكتب.
وعندما أحاول أن أبحث عن قصص نجاح لمثل هذه الشراكات لدينا في المملكة فلا أجد الكثير منها، وإنما أجد أن أغلب المكاتب المهنية الناجحة لا تسعى إلى تكوين شراكات مع بعضها بعضا، ويفضل بعض أصحاب هذه المكاتب البقاء والعمل في المهنة بشكل فردي. وهذا قد يؤدي إلى عدم نقل المعرفة وزوال الكيان بعد خروج صاحب المكتب من المهنة بسبب الوفاة أو التقاعد أو لأي سبب آخر.
وحقيقة لقد حاولت النظر بتمعن في هذه الظاهرة، ولم أستطع الوصول إلى أسباب علمية وعملية لتأييد وتبني وجهة نظر محددة، ولا أعلم إذا كان سبب عدم نجاح مثل هذه الشراكات واستمرارها هو نتيجة لأمر اجتماعي بسبب أن مبدأ الشراكة غير مقبول أساسا لدينا في المجال المهني. وقد يكون بسبب أمر نظامي، حيث إن الأنظمة لا تحفز على قيام مثل هذه الشراكات لعدم وجود آليات واضحة لأن مثل هذه الشراكات الناشئة تعمل كحاضنات أعمال لحل الخلافات بشكل سريع أو قد يكون الأمر لعدة أسباب أخرى.
ومن الواضح أن قيام مثل هذه الشراكات المهنية على أسس واضحة يجعلها ـــ بإذن الله ــــ تبقى وتستمر لعدة أجيال ويبقى فيها اسم المؤسسين كجزء من تاريخ المكتب المهني تنتقل فيه المعرفة المهنية من جيل إلى آخر ويحفظ فيها الجميل لمن أسسوا المكتب. وأعتقد بأن النظر في أسباب عدم نجاح مثل هذه الشراكات جدير بالدراسة والبحث ليكون هناك مشروع على مستوى الدولة لدعم مثل هذا التوجه.