تغيير المسارات
أحياناً تُستخدَم النرويج نموذجا لنجاح التنويع الاقتصادي. ورغم أن النرويج نموذج جيد للنجاح، إلا أنه ليس بالعمل الحكيم إطلاقاً استنساخ أو تبني أي نموذج جاهز. فالمناخ والثقافة والسياسة والبنية الاقتصادية واليد العاملة والتعليم والانفتاح كلها تلعب دوراً في ذلك.
حين بدأت النرويج بإنتاج النفط في السبعينيات كانت بلداً متقدماً بفضل المؤسسات القوية والموارد البشرية الكثيرة. تبلغ حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في النرويج رابع أكبر حصة في العالم. كما أن اقتصادها يبلغ 500 مليار دولار بعدد سكان في حدود خمسة ملايين نسمة فقط. وشكَّل قطاع الخدمات في النرويج ككل نحو 47 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وشكلت الصناعات النفطية، بما فيها استخلاص النفط الخام والغاز، نسبة قريبة من 24 في المائة من الناتج الاسمي، ونحو 48 في المائة من الصادرات.
لكن في حالة السعودية، تبلغ قيمة اقتصادها 711 مليار دولار وعدد سكانها 29 مليون نسمة وتبلغ المساهمة الاسمية من النفط 50 في المائة، ومن حيث الصادرات فإن النفط يشكل أكثر من 90 في المائة من إجمالي الصادرات إذا أدخلنا في الاعتبار المواد البتروكيماوية والمنتجات المرتبطة بها. ورغم أن السعودية شهدت ارتفاعاً في حصة الفرد من الناتج على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب النمو في حجم الاقتصاد، إلا أنها لم تتقدم كثيراً بالمعدلات الحقيقية منذ منتصف الثمانينيات.
إن النمو في اقتصاد النرويج الذي تمت ترجمته بالمعدلات الحقيقية لحصة الفرد من الناتج المحلي تم تحقيقه في الدرجة الأولى عن طريق الزيادة في الإنتاجية، وتكيف الاقتصاد مع الاتجاهات العامة في الأسواق العالمية، والنسبة العالية لمشاركة القوة العاملة. في عام 2011 كانت إنتاجية اليد العاملة في النرويج لكل موظف هي 138 دولاراً، وكان المعدل في السعودية 42 دولاراً. وعمل دخول النساء في سوق العمل منذ السبعينيات على تعزيز النمو بصورة قوية في القوة العاملة والإنتاج في النرويج.
يعتبر رأس المال البشري أهم الموارد في النرويج، ومن حيث المنظور طويل الأمد فإن القدرة على الاستفادة من جميع الموارد في الاقتصاد ستحدد تطور الازدهار والرفاهية. من حيث الأهمية نحو الرفاهية المستقبلية، تعتبر مدخلات العمالة أهم بكثير من الموارد البترولية في النرويج. نحو 83 في المائة من الثروة الوطنية في النرويج تأتي من القوة العاملة، ويأتي 7 في المائة من الثروة النفطية و10 في المائة من رأس المال الحقيقي.
وفي حين أن النرويج هي ثالث بلد في العالم من حيث تصدير الغاز الطبيعي، وسادس بلد في العالم من حيث تصدير النفط الخام، إلا أن لديها كذلك رابع أكثر أسطول للشحن في العالم، وهي أول بلد في العالم من حيث تصدير منتجات وخدمات التكنولوجيا لما تحت الماء. لمدة عقدين (1972 إلى 1994) أُعطيت الأولوية مما ساعدها في بناء صناعات كثيرة (خصوصاً صناعة الهيدروكربونات)، ووضعت مخصصات للشركات الدولية لتدريب المواطنين، والاستثمار والدعم الكامل في البحوث والتطوير.
لابد من امتلاك رؤية ودافع ومرونة لتغيير المسارات عند اللزوم.