أمريكا لن تستغني عن السعودية
أثار التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية، عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة ستتفوق على السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم في 2015، الجدل مجدداً حول استغناء واشنطن عن النفط السعودي، واقترابها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وبالتالي تقليل اعتمادها على إمدادات ''أوبك''. أما وقد تزامن التقرير واتفاق القوى الغربية مع طهران بشأن ملفها النووي، فقد فتح الباب موارباً لنظرية انهيار تحالفها مع السعودية، وترك الجمل بما حمل لشرطي الخليج القادم، افتراضاً، وهو بالطبع إيران.
يغفل الكثيرون من معتنقي هذه النظرية أن استغناء العالم عن النفط السعودي أمر شبه مستحيل، على الأقل خلال الخمسين عاماً المقبلة، ولا يمكن أن تدير الولايات المتحدة ظهرها لمنطقة الخليج لأسباب عدة، هذا إذا جزمنا بتوقفها عن استيراد النفط السعودي. أول الأسباب أن استقرار أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم خط أحمر للسياسة الأمريكية، باعتبار أن ذلك سيضغط على أسعار برميل النفط، وهو أمر لا توده ولا ترغبه ولا تنتظره الولايات المتحدة، أما السبب الثاني أن المارد الآسيوي (الصين) ودول آسيا لا تزال تعتمد، وستظل تعتمد، بشكل كبير على النفط الخليجي، وبحسب الخبراء سيستمر هذا لعقود مقبلة، وأي أضرار اقتصادية تصاب بها ستنعكس سلباً على اقتصاد العم سام، وهو آخر ما يمكن أن تقبل به الإدارة الأمريكية وهي الخارجة للتو من أزمة مالية طاحنة، أما ثالث الأسباب وليس آخرها، أن ثورة النفط الصخري ثورة وقتية وليست دائمة ولا بد لواشنطن من العودة للاعتماد على النفط التقليدي طال الزمن أم قصر. يقول فاتح بيرول كبير اقتصاديي وكالة الطاقة الدولية في تصريحات لـ ''رويترز'' ''بسبب قاعدة الموارد المحدودة للنفط الصخري الأمريكي سيستقر الإنتاج ثم ينحسر، وبعد عام ٢٠٢٠ ستكون هناك هيمنة كبيرة لنفط الشرق الأوسط''.
وبعيداً عن تفاصيل الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، فإن ربط التحالف الأمريكي - السعودي بالنفط فقط ولا غيره، هو في حقيقة الأمر تسطيح لقضايا أمن قومي تشكل هما رئيسا للطرفين، صحيح أن لواشنطن مصالح عليا تبحث عنها كما لكل دولة في العالم، لكن هذا لا يعني أن تجفل واشنطن عن مصالح تاريخية ومستمرة لعقود مقبلة، ناهيك عن الاستراتيجية الأمريكية التي لا تتزحزح عنها وهي ضمان إمدادات النفط للعالم وعدم ترك ذلك لأي قوة أخرى.
باختصار الدولة الأقوى في العالم لا يمكن أن تترك العالم يموج بالفوضى وفي أشد المناطق حساسية فقط لأنها توقفت عن استيراد النفط منه.
من الاستحالة تصور ترك أمريكا الساحة الخليجية وتسليمها لطهران هكذا، هذا لا يعني بالطبع أن واشنطن لا تود أن يكون هناك لاعب رئيس آخر في المنطقة، كما السعودية وتركيا مثلاً لاعبان رئيسان فلماذا لا تكون إيران أيضاً؟ في نهاية الأمر منطقة الخليج من الأهمية للعالم أكبر من أن تغفل عنها أمريكا وتتركها لقمة سائغة في يد طهران أو غيرها، هذا إذا افترضنا أن الدب الروسي سيسمح بهذا الفراغ دون أن ينقض عليه. واشنطن حريصة على تحالفها مع الرياض لسبب رئيس وواضح أن مصالحها العليا تحتم عليها ذلك، ليس لأنها تحب هنا أو تكره هناك. هي لعبة مصالح ومصلحتها تذهب في اتجاه استمرارية التحالف التاريخي الاستراتيجي وعدم ترك الفرصة لتصدعه، فما بالك بانهياره؟!