مستقبل مهنة المحاسبة
تطور علم المحاسبة على مدى العصور، وخدم كل حقبة زمنية وفقاً لاحتياجاتها، وتعددت وسائل وأدوات حفظ السجلات في كل حقبة زمنية. ومع نمو الأعمال دعت الحاجة إلى وجود طرق تسجيل تتناسب مع ازدياد حجم الأعمال فظهرت في القرن الخامس عشر طريقة القيد المزدوج على يد لوقا باشيولي. التي توازن فيها أي عملية محاسبية بجانبين، أحدهما مدين والآخر دائن. وأدى هذا إلى حدوث عملية تطوير مستمرة أوجدت من خلالها المعايير المحاسبية لتكون بمثابة أداة لقياس العمليات المالية في منشآت الأعمال، تظهر من خلالها نتائج أعمالها ومراكزها المالية.
ومع تطور علم المحاسبة بسبب كبر حجم الأعمال وظهور الأسواق المالية العامة، دعت الحاجة إلى وجود أشخاص مهنيين يتمتعون بتأهيل مهني كاف ولهم صفة الحياد يعطون الاطمئنان للمستفيدين من القوائم المالية بأنها صحيحة، ويمكن الاعتماد عليها، فظهرت مهنة المحاسبة القانونية. وكان دور المحاسب القانوني في ذلك الوقت هو التأكد من صحة القوائم المالية للمنشأة. ومع مرور الزمن وكبر حجم الأعمال بشكل متزايد ونمو المهنة والجهات الرقابية عليها، تبين أن استخدام المحاسب القانوني لعبارة '' أن القوائم المالية صحيحة''، هي شهادة يعطيها المحاسب القانوني، ولكنها لا تتناسب مع الدور الذي يقوم به. وبعد النقاش والدراسة المستفيضة تم الخروج من عبارة '' أن القوائم المالية صحيحة'' وحلت محلها عبارة ''تظهر بعدالة القوائم المالية'' وهو ما استقر عليه التطبيق اليوم ويضفي ذلك الثقة أيضا على القوائم المالية ليمكن مستخدميها من الاعتماد عليها.
وللمقدمة السابقة مغزى، أردت أن أوضح من خلالها النمو الكبير الذي شهدته هذه المهنة. حيث إن ما مرت به مهنة المحاسبة من تطوير هو نتاج طبيعي لكل مرحلة زمنية لها احتياجاتها ومتطلباتها ما يعني أن التغيير والتطوير أصبح سنة مصاحبة للمهنة. ويجعلني هذا أطرح سؤالاً يتبادر إلى ذهني كثيراً، وهو: هل سينتهي دور المحاسب القانوني في تقديم الخدمات التي يقدمها حالياً؟ وهل هناك احتمال أن تصبح مهنة المحاسب القانوني مهنة مندثرة؟
وقبل الدخول في محاولة للإجابة عن السؤال، يجب النظر إلى العوامل المؤثرة في عمل المحاسب القانوني في وقتنا الراهن وما التوجه العام الذي تسير فيه المهنة من خلال ما تفرضه المتطلبات المهنية والنظامية واقتصاديات سوق العمل. ومن وجهة نظري فإني أرى أن هناك أموراً أساسية هي التي سيكون لها الأثر في تحديد مسار المهنة في المستقبل بأمر الله تعالى. يأتي في مقدمة هذه الأمور مدى الحاجة للخدمات التي يقدمها المحاسب القانوني في المستقبل، وهذا يعتمد على حجم الطلب لخدمات المحاسب القانوني وفقاً لمقتضيات المرحلة المقبلة. والأمر الآخر هو تقنية المعلومات واستخدامها، فالدولة حريصة على زيادة استخدام المعاملات الالكترونية في جميع التعاملات، ودون شك أن أي جهة سواء كانت مكتبا محاسبيا أو منشأة أو جهة حكومية لن تستثمر في تطوير نفسها بتوسيع استخدام تقنية المعلومات ستتأخر عن الركب وتخرج تماما من المنافسة.
وظني أنه مهما حاول الشخص باحثاً عن إجابة محددة لهذا السؤال فلا يمكن أن تكون إجابة محددة بنعم أو لا، وإنما قد توجز في شكل تصور لمسار المهنة وشكلها في المستقبل بأمر الله تعالى. وأعتقد أن تغير مسار المهنة من مسارها التقليدي الذي نعرفه اليوم إلى مسار آخر مختلف يتناسب مع المستقبل هو أمر حتمي. وأرى أن الحاجة لوجود مهنة المحاسبة ستكون قائمة ولكن ستختلف الخدمات والدور الذي يلعبه المحاسب القانوني في المستقبل.