«التأمينات الاجتماعية» تخالف نظامها!

إن النظام يعد أعلى من اللائحة/ اللوائح التنفيذية خاصة تلك الصادرة بموجبه، ذلك أن النظام يصدر بموجب مرسوم ملكي كريم، أي أنه الواجب في التطبيق، وقبل أن يعتمد النظام بالمرسوم الملكي، يكون قد روجع واعتمد من قبل مجلس الوزراء ومجلس الشورى، أما اللائحة/ اللوائح التنفيذية، فإنها تصدر بقرار من الوزير المختص.
وبناء على التوضيح السابق، فقد صدر نظام التأمينات الاجتماعية بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/33)، وتاريخ 3/9/1421هـ، أما لائحة تعويضات فرع الأخطار المهنية فقد صدرت بموجب قــرار وزير العمــل والشــؤون الاجتماعيــة (رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية) ذي الرقم (128/ تأمينات)، وتاريخ 25/10/1421هـ. لهذا، فإن صدور نظام التأمينات الاجتماعية يقتضي بالضرورة تطبيقه بحذافيره، كما أنه وفي حال التعارض بين نص نظامي ونص لائحي، فإن النص النظامي يجب أن يسود.
وقد نصت الفقرة (3) من المادة 54 من نظام التأمينات على ما يلي: "لا يخل عدم دفع صاحب العمل للاشتراكات في استحقاق العامل للتعويضات". لكن للأسف، نجد أن لائحة تعويضات فرع الأخطار المهنية الصادرة بموجب قــرار وزير العمــل والشــؤون الاجتماعيــة عام 1421هـ، خالف نظام التأمينات بشكل صريح، بل إنها "تشرعن" المخالفة، أي تضفي عليها طابعا شرعيا، حيث تنص الفقرة 1 من المادة 32 من اللائحة المذكورة على ما يلي: "لا تقبل الإصابة كإصابة عمل إلا إذا كانت قد وقعت لعامل اشترك عنه صاحب العمل في فرع الأخطار المهنية وسدد عنه بالفعل الاشتراكات المستحقة قبل حدوث الإصابة".
ونلاحظ التناقض الواضح بين النصين، حيث يقتضي نص النظام (الصادر بموجب المرسوم الملكي) أن يستحق العامل المشترك في النظام لأية تعويضات نص عليها النظام حتى في حال توقف صاحب عمله عن سداد الاشتراكات عنه، بينما يقوم نص اللائحة (الصادر بموجب قــرار وزير العمــل والشــؤون الاجتماعيــة) بحرمان المشترك من تعويضات إصابة العمل إذا كان صاحب عمله قد توقف عن سداد الاشتراكات عنه قبل تاريخ الإصابة، أي حتى ولو كان التوقف عن آخر ستة أشهر مثلا.
وبالرغم من أن نص النظام الصادر بمرسوم ملكي كريم، هو الأعلى مرتبة، كما هو موضح أعلاه، فضلا عن تحقيقه لمصلحة العامل، إلا أنه هو النص المعطل، بينما المطبق هو نص اللائحة الصادرة بموجب قرار وزير العمــل والشــؤون الاجتماعيــة (رئيس مجلس إدارة المؤسسة)، رغم أنه يحقق فقط مصلحة المؤسسة!
ولنا أن نستشهد بمثال واقعي (وكنت شاهدا على حالات بحكم عملي في الموارد البشرية)، حيث يصاب الموظف إصابة أثناء العمل وبسببها تنطبق عليها كل الشروط النظامية للاستحقاق، غير أنه يتفاجأ برفض مؤسسة التأمينات صرف التعويض له، نظرا لتوقف صاحب عمله (شركته) عن سداد الاشتراكات عنه بناء على نص اللائحة المذكور، وبالتالي يحرم هو وأسرته من التعويض (العائدة الشهرية) التي هو بأمس الحاجة لها لإعالة ذويه بعد عجزه عجزا كليا مستديما أو لذويه في حالة وفاته.
قد يقول أحدهم إن سبب إصرار المؤسسة بعدم اعتبار الإصابة إصابة عمل إلا إذا كانت عن عامل مشترك مسدد عنه حتى تاريخ الإصابة، يعود إلى أن المؤسسة ترى أنه ما دام المشترك المصاب لم يسدد عنه فكيف يكون لزاما عليها التعويض عنه، وبمعنى آخر لم يكن على المؤسسة التعويض، وهي لم تستلم عنه الاشتراكات أي من أين لها أن تعوضه، مما تراه سببا كافيا لعدم التعويض، فضلا عن تأثيره على المشتركين الآخرين المسدد عنهم.
لكننا نرد على هذه الحجة الواهية بقول الله تعالى: (ولَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، أي أن العامل يجب ألا يضار من عدم سداد صاحب العمل عنه للاشتراكات، حيث إن اشتراكات فرع الأخطار المهنية يدفعها صاحب العمل وليس العامل. أي أن العامل لا دخل له بسدادها أساسا، فكيف يعاقب بعدم التعويض له في حال تراخي صاحب العمل في السداد عنه، وهذا هو ما دعا المشرع النظامي لوضع ذلك النص. كما أن النظام أتاح للمؤسسة استحصال ما لم يسدده أصحاب العمل بأثر رجعي، بل وبزيادة تصل إلى 100 في المائة، هي عبارة عن غرامات تأخير السداد، والخلاصة أن المؤسسة لن تخسر "شيئا"، حيث ستتمكن من استرداد كل الاشتراكات مضافا إليها الغرامات! أما القول إن صندوق المؤسسة سيتعرض لخسائر من جراء عدم السداد في حينه، نظرا لعدم استثمار مبالغ الاشتراكات، فمردود عليه بأن الاستثمار مهما بلغت أرباحه، لن يبلغ مبالغ غرامات التأخير التي قد تصل كما ذكرنا لـ 100 في المائة. وبمعني آخر فإن غرامات التأخير أعلى في الغالب من أية عوائد استثمارية لصندوق المؤسسة!
لا أدري حقيقة ما تبريرات المؤسسة لوجود هذا التعارض الصارخ بين النصين من حيث المبدأ؟ ما تبريرات المؤسسة في عدم الرفع للجهات المختصة خلال هذه السنوات، لتقويم الخطأ الموضح أعلاه؟ وكم حالة منذ 13 عاما طبق عليها نص اللائحة المخالف لنص النظام، وحرم بمقتضى ذلك العديد ممن أصيبوا إصابات عمل من التعويض لهم أو لذويهم في حال الوفاة نتيجة للإصابة؟ ما الذي يمكن القيام به الآن لتصحيح الوضع، شاملا ذلك مدى إمكانية تعويض الحالات التي لم تعوض بناء على نص اللائحة خلال تلك السنوات وبأثر رجعي؟
الأخطاء مهما مر عليها من زمن يمكن أن تعالج حتى وإن كانت التكلفة عالية، والخطأ الأكبر أن نستمر في ارتكاب الأخطاء، لذا فإنني أناشد المهندس عادل فقيه وزير العمل ورئيس مجلس إدارة المؤسسة ، ومحافظ المؤسسة بمعالجة أخطاء الماضي، وهي أخطاء ارتكبت سابقا مما لا ذنب لهما فيها، لكن يتحملان مسؤولية تصحيح الوضع، بأن يتم تعديل نص لائحة تعويضات فرع الأخطار المهنية (المادة 32 بكل فقراتها) ليتوافق مع نص نظام التأمينات (الفقرة 3 من المادة 54)، وتعويض كل المشتركين من الموظفين والعمال الذين تضرروا من هذا المخالفة القانونية، وذلك بأثر رجعي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي