ولي ولي العهد .. منهج للاستقرار
يوم 26 جمادى الأولى 1435هـ يعتبر تاريخاً متفرداً، لأول مرة بصدور الأمر الملكي الاستثنائي الصادر من الملك الذي أيده ولي العهد ووافقت عليه هيئة البيعة على اختيار "ولي لولي العهد"، وظهور هذا المنصب لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، الأمر الملكي بلا شك كان مريحاً بكل المقاييس، واستقبله الشارع السعودي بترحيب كبير، هذا الاستقبال ليس احتفالاً بشخص معين أو فرحاً باستبعاد شخص آخر، ولكنه تعبير عن الرغبة في الاستقرار والوضوح لمستقبل أكثر إشراقاً للمملكة، خاصة مع قرب دخول الجيل الثالث من الأسرة في سلسلة الحكم.
لا يجهل أي متابع مدى القلق الذي قد يسببه عدم الوضوح في أي دولة، فكيف إذا كان هذا الأمر متعلقا بكرسي العرش؟، وقد كثر الحديث حول التوقعات الممكنة لتوالي السلطة، على كافة المستويات، حتى على المستوى الدولي كان هذا الأمر يسبب قلقاً لافتاً في المنطقة، لأثر المملكة الكبير على المنطقة ككل سواء كان ذلك اقتصادياً أو سياسياً أو دينياً.
لقد كان الترقب لمثل هذا القرار بالغاً، وكان الحديث العلني عنه في المجالس حاضراً، أكثرها يتحدث فيها بقلق، فلما جاء القرار كان كالماء البارد يشربه شديد العطش.
هذا الحدث أعاد للأذهان النقلة النوعية المهمة التي أقر فيها الملك عبد الله بن عبد العزيز نظام هيئة البيعة في عام 1427هـ بعد سنة واحدة تقريباً من توليه زمام الحكم، وأتبعه بإصدار اللائحة التنفيذية للنظام في عام 1428هـ، في نقلة نوعية استثنائية تم بموجبها تأطير الحكم في المملكة وفق نظام مؤسسي دقيق ومحكم.
وإن كان الأمر الصادر بتعيين ولي لولي العهد محل احتفاء كل مواطن ومحب لاستقرار المملكة، الذي أوضح مسار تولي السلطة فيها، خاصة أنه توج بموافقة هيئة البيعة بالأغلبية التي تزيد على الثلاثة أرباع كما جاء في الأمر الملكي، إلا أنه بقراءة قانونية يلاحظ أن نظام البيعة الذي تم إقراره لم يتطرق في أي من مواده إلى تعيين ولي لولي العهد، حيث نصت المادة 13 من النظام على: "في حالة وفاة الملك وولي العهد في وقت واحد تقوم الهيئة خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء والدعوة إلى مبايعته ملكاً على البلاد وفقاً لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم. ويتولى المجلس المؤقت للحكم إدارة شؤون الدولة لحين مبايعة الملك"، لذلك فإن تغيير النظام ولائحته التنفيذية يعتبر أولوية عاجلة، ليتماشى مع هذا التعديل الجوهري بتعيين ولي لولي العهد، وهذا التعديل في النظام سيؤكد المسار المؤسسي لهذا الاتجاه.
وفي لفتة جميلة كانت زيارة ولي ولي العهد لمفتي المملكة في المستشفى، حيث كان اللقاء الحميمي الودود بين الاثنين، قدم فيه المفتي البيعة لولي ولي العهد وتبعه بموعظة ودعاء وتوجيه، وبادله ولي ولي العهد بتعهد جازم بالتمسك بالعقيدة والقرآن والسنة.
ختاماً .. منهج ولي ولي العهد؛ قرار مهم، وسبق إبداعي في نظام الحكم، وصمام أمان، كما أنه يؤطر لتسلسل منطقي متواصل للحكم، ويعطي فرصة عالية لاكتساب الخبرة في الحكم، وإيجابيات عديدة أخرى، واستمرار هذا المنهج بتأصيله في نظام هيئة البيعة سيضمن له الاستمرار بإذن الله.