قراءة في معنى التصنيف الائتماني السيادي للمملكة

التصنيف الائتماني السيادي لأي دولة هو مقياس قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية في الداخل والخارج، وبشكل أدق، كما تعرفه مؤسسات التصنيف الائتماني السيادي، هو مقياس قدرة الدولة ورغبتها في الوفاء بالتزاماتها الماليةability & willingness to pay. وتحرص الدول على الحصول والمحافظة على درجات عالية في تلك التصنيفات العالمية لتعزيز قدراتها على جذب الاستثمار وتقليل تكلفة الاقتراض للمؤسسات والشركات في القطاعين العام والخاص، والرفع من سمعة الدولة في أنها موثوقة الجانب فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها نحو المستثمرين، وأنها تتمتع بالقدرة المالية والاستقرار الاقتصادي والسياسي المطلوب لتحقيق ذلك.
والعوامل المؤثرة التي أدت إلى سلسلة من الارتفاعات المتدرجة للتصنيف الائتماني للمملكة خلال الـ 15 سنة الماضية من A إلى -AA وأخيرا AA من قبل مؤسسة فيتش العالمية هي في المقام الأول الارتفاعات المتوالية في حجم الاحتياطيات والاستثمارات الخارجية للدولة خلال تلك الفترة والنظرة المستقبلية المستقرة لسوق النفط. والعامل الثاني تراجع مستوى الدين العام المحلي بشكل كبير، مع عدم وجود ديون خارجية على الدولة. وبهذا التصنيف الأخير، تتساوى المملكة في درجة تصنيفها الائتماني السيادي من مؤسسة فيتش مع دول الخليج الأخرى، الكويت والإمارات، التي كانت مستوى احتياطياتها المالية وصناديقها السيادية يلعب دورا أساسيا في درجات تصنيفها الائتماني المرتفع AA من قبل جميع مؤسسات التصنيف العالمية الرئيسية (فيتش، إس آند بي، وموديز).
كانت عملية التصنيف الائتماني للمملكة خلال الـ 15 سنة الماضية تتم بشكل سنوي من خلال زيارات لفرق متخصصة من مؤسستي التصنيف فيتش وإس آند بي لمختلف أجهزة الدولة والقطاع الخاص المتعلقة بالشأن الاقتصادي. إضافة إلى ذلك تعطي مؤسسات التصنيف العالمية اهتماما كبيرا بمواضيع الأمن والاستقرار السياسي في البلد، لأن هذا الأمر مرتبط بقدرة أي دولة على الوفاء بالتزاماتها المالية. وفي هذا كانت المملكة ولا تزال - والحمد لله - في مركز قوي. وكان دائما موضوع الأمن والاستقرار السياسي عاملا إيجابيا يدعم درجات عالية في التصنيف السيادي للمملكة.
عامل آخر مهم لعب دورا كبيرا في التصنيف السيادي الأخير للمملكة، يتمثل في الجهود التي قامت بها الدولة ممثلة في وزارة العمل في تطوير آلية الرقابة في سوق العمل والتحفيز نحو مستويات أكبر من التوظيف للسعوديين. وفي خط مواز كان التوسع في برنامج خادم الحرمين الملك عبد الله للابتعاث وفتح عدد كبير من الجامعات والكليات المتخصصة في مختلف مناطق المملكة. وتعتبر مؤسسات التصنيف أن مستويات التوظيف والتأهيل والأمن الوظيفي أمرا مهما في الاستقرار الاقتصادي وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
لا شك أن حصول المملكة على تصنيف ائتماني مرتفع يعتبر أمرا مفرحا ومهما، إلا أن ردة الفعل ينبغي ألا تقتصر على الابتهاج أو الثناء على النفس، أو ربما إضعاف الحماس المطلوب لمواجهة التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي وأسباب التعثر في تحقيق التنويع المطلوب لاقتصاد المملكة وموارد الدولة. هذا التصنيف السيادي المرتفع من مؤسسة فيتش، ونرجو أن يتبعه قريباً - إن شاء الله - تصنيف مماثل من قبل مؤسسات التصنيف الأخرى، ينبغي أن يكون حافزا للمحافظة على النجاحات التي تحققت في بناء احتياطيات مالية كبيرة ومهمة توفر للمملكة القدرة المالية والمرونة المطلوبة في المستقبل، والسعي نحو رسم سياسات اقتصادية أكثر فاعلية لتحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي والتنويع المطلوب لاقتصاد المملكة وإيرادات الدولة، ومن ذلك دعم الجهود التي تقوم بها وزارة العمل، والبناء عليها من المؤسسات الأخرى في الدولة المعنية بالشأن الاقتصادي من خلال سياسات اقتصادية أكثر تطورا وتلمسا لحاجة المواطن والوطن وتفتح مجالات أوسع لتأهيل السعوديين وتوظيفهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي